للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتنسّم من أرواح عشرتك ما تجد الحواسّ به بغيتها، وتستوفى منه لذّتها، فنفسك تألف منى مثل ما آلفه منك.

وكان يقال: محادثة الرّجال تلقيح الألباب «١» .

وقال ابن الرومى:

ولقد سئمت مآربى ... فكأنّ أطيبها خبيث

إلّا الحديث؛ فإنّه ... مثل اسمه أبدا حديث

قال مخارق: لقينى أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم قبل نسكه، فقال: أنا والله صبّ بك، ولوع إليك، مغمور القلب «٢» بشكرك، واللسان بذكرك، متشوّف إلى رؤيتك ومفاوضتك، وقد طالت الأيام على ما أعد به نفسى من الاجتماع معك، ومن قضاء الوطر منك؛ فما عندك؟ أنا الفداء لك! وتزورنى أم أزورك؟

قلت: جعلنى الله فداك! ما يكون عند من هو منك بهذا الموضع وفي هذا المحلّ إلا الانقياد إلى أمرك، والسمع والطاعة لك، ولولا أن أسىء الأدب في أمر بدأت فيه بالفضل لقلت: إن كثير ما ابتدأت به من القول يقلّ فيما عندى من الشوق إليك، والشّعف بك، دون ما حرّك هذا القول منى، فوجبت لك به المنّة علىّ، وأنا بين يديك، فاثن عنانى إلى ما أردت، وقدنى كيف شئت، تجدنى كما قال القائل:

ما تشتهيه فإنى اليوم فاعله ... والقلب صبّ فما جشّمته جشما

وذكر سهل بن هارون رجلا، فقال: لم أر أحسن منه فهما لجليل، ولا تفهما لدقيق أشار إليه أبو تمام فقال:

وكنت أعزّ عزّا من قنوع ... تعرّضه صفوح من ملول

فصرت أذلّ من معنى دقيق ... به فقر إلى ذهن جليل «٣»

<<  <  ج: ص:  >  >>