للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوفت عليها وزادت، حتى كاد غيثها يعود عيثا «١» ، وهمّ وبلها أن يستحيل ويلا فصبرنا على أذاها، وقلنا: سحابة صيف عما قليل تقشّع، فإذا نحن بها قد أمطرتنا بردا كالّثغور، لكنها من ثغور العذاب، لا من الثغور العذاب، فأيقنّا بالبلاء، وسلّمنا لأسباب القضاء؛ فما مرت إلا ساعة من النهار، حتى سمعنا خرير الأنهار، ورأينا السّيل قد بلغ الزّبى»

، والماء قد غمر القيعان والرّبى «٣» ؛ فبادرنا إلى حصن القرية لائذين من السّيل بأفنيتها، وعائذين من القطر بأبنيتها، وأثوابنا قد صندل كافوريّها ماء الوبل، وغلّف طرازيّها طين الوحل، ونحن نحمد الله تعالى على سلامة الأبدان، وإن فقدنا بياض الأكمام والأردان، ونشكره على سلامة الأنفس والأرواح، شكر التاجر على بقاء رأس المال إذا فجع بالأرباح؛ فبتنا تلك الليلة في سماء تكف ولا تكفّ «٤» ، وتبكى علينا إلى الصباح بأدمع هوام «٥» ، وأربعة سجام؛ فلما سلّ سيف الصبح من غمد الظلام، وصرف بوالى الصحو عامل الغمام، رأينا صواب الرأى أن نوسع الإقامة بها رفضا، ونتخذ الارتحال عنها فرضا؛ فما زلنا نطوى الصحارى أرضا فأرضا، إلى أن وافينا المستقر ركضا؛ فلما نفضنا غبار ذلك المسير، الذى جمعنا في ربقة الأسير، وأفضينا إلى ساحة التيسير، بعد ما أصبنا بالأمر العسير، وتذاكرنا ما لقينا من التعب والمشقّة، فى قطع ذلك الطريق وطىّ تلك الشّقة، أخذ الأمير السيد- أطال الله بقاءه! - القلم فعلق هذه الأبيات ارتجالا:

دهتنا السماء غداة السّحاب ... بغيث على أفقه مسبل

فجاء برعد له رنّة ... كرنّة ثكلى ولم تثكل

<<  <  ج: ص:  >  >>