للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجا من سلطان فرجه، فلا تدعوه إليه مؤنة، ولا يستخف له رأيا ولا بدنا. وكان لا يتأثر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة.

وكان خارجا من سلطان لسانه، فلا يتكلّم بما لا يعلم، ولا يمارى فيما علم، وكان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يتقدّم «١» أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال بزّ القائلين «٢» ، وكان ضعيفا مستضعفا، فإذا جدّ الجدّ «٣» فهو اللّيث عاديا «٤» . وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مراء «٥» ، ولا يدلى بحجّة حتى يرى قاضيا فهما «٦» وشهودا عدولا. وكان لا يلوم أحدا فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما عذره.

وكان لا يشكو وجعه إلّا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة. وكان لا يتبرّم «٧» ولا يتسخّط، ولا يتشكّى ولا يتشهّى، ولا ينتقم من العدوّ، ولا يغفل عن الولىّ، ولا يخصّ نفسه بشىء دون إخوانه من اهتمامه وحيلته وقوته. فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق، ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع.

وعلى ذكر قوله: «وإن قال بزّ القائلين» قال ابن كناسة- واسمه محمد بن عبد الله، ويكنى أبا يحيى- فى إبراهيم بن أدهم «٨» الزاهد:

رأيتك لا ترضى بما دونه الرضا ... وقد كان يرضى دون ذاك ابن أدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>