للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال على بن عبيدة الريحانى يوما، وقد رأى جارية يهواها: لولا البقيا على الضمائر لبحنا بما تجنّه السرائر، لكن نيران الحبّ تتدارك بالإخفاء، ولا تعاجل بالإبداء؛ فإن دوامها مع إغلاق أبواب الكتمان، وزوالها في فتح مصارع الإعلان.

وقد قال محمد بن يزيد الأموى:

لا وحبّيك لا أصا ... فح بالدّمع مدمعا

من بكى حبّه استرا ... ح وإن كان موجعا

ومن كلام علىّ بن عبيدة: اجعل أنسك آخر ما تبذل من ودّك، وصن الاسترسال منك، حتى تجد له مستحقا؛ فإن الأنس لباس العرض، وتحفة الثقة، وحباء الأكفاء، وشعار الخاصّة، فلا تخلق جدّته إلا لمن يعرف قدر ما بذلت له منك.

وقال: لولا حركات من الابتهاج أجد حسّها عند رؤيتك في نفسى لا أعرف لها مثيرا من مظانّها إلّا مؤانستك لى، لأبقيت عليك من العناء، وخفّفت عنك مؤونة اللقاء؛ لكنى أجد من الزيادة بك عندى أكثر من قدر راحتك في تأخّرك عنى، فأضيق عن احتمال الخسران بالوحدة منك.

وقال: لوجلى من طلوع الملالة بكرّ اللّقاء أستخفّ التّجافى مع شدّة الشوق، لتبقى جدّة الحال عند من أحبّ دوامه لى؛ وردّ طرف الشوق باطنا أيسر من معاناة الجفاء مع الودّ ظاهرا.

وقال بعض المحدثين:

كم استراح إلى صبر فلم يرح ... صبّ إليكم من الأشواق في ترح

تركتم قلبه من حزن فرقتكم ... لو يرزق الوصل لم يقدر على الفرح

وقال أعرابى:

ألا قل لدار بين أكثبة الحمى ... وذات الغضى: جادت عليك الهواضب «١»

<<  <  ج: ص:  >  >>