للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرك، والزم الحياء والأنفة؛ فإنك إن استحييت من الغضاضة اجتنبت الخساسة، وإن أنفت عن الغلبة، لم يتقدمك نظير في مرتبة.

قال الأصمعى: سمعت أعرابيا يوصى آخر أراد سفرا؛ فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذى يدعوك إلى الهدى، ويجنّبك من الرّدى، واحبس هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم؛ فإنك تبرّ بذلك سلفك، وتشيد به شرفك.

وأوصت أعرابية ابنها في سفر، فقالت: يا بنى؛ إنك تجاور الغرباء، وترحل عن الأصدقاء، ولعلّك لا تلقى غير الأعداء؛ فخالط الناس بجميل البشر، واتّق الله في العلانية والسرّ.

وقال بعض الملوك لحكيم وقد أراد سفرا: قفنى على أشياء من حكمتك أعمل بها في سفرى؛ فقال:

اجعل تأنيك أمام عجلتك، وحلمك رسول شدّتك، وعفوك مالك قدرتك، وأنا ضامن لك قلوب رعيّتك، مالم تحرجهم بالشدة عليهم، أو تبطرهم بالإحسان إليهم.

وقال أبان بن تغلب: شهدت أعرابية توصى ولدا لها أراد سفرا وهي تقول:

أبى بنى! اجلس أمنحك وصيتى، وبالله توفيقك، قال أبان: فوقفت مستمعا لكلامها، مستحسنا لوصيّتها، فإذا هي تقول: أى بنى! إياك والنّميمة، فإنها تزرع الضغينة، وتفرّق بين المحّبين، وإياك والتعرض للعيوب فتتّخذ غرضا، وخليق ألّا يثبت الغرض على كثرة السهام؛ وقلّما اعتورت السهام غرضا إلّا كلمته، حتى يهى ما اشتدّ من قوّته؛ وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك؛ وإذا هززت فاهزز كريما يلن لمهزّتك؛ ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجّر ماؤها، ومثّل بنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه؛ فإن المرء لا يرى عيب نفسه؛ ومن كانت مودّته بشره، وخالف منه ذلك فعله، كان صديقه منه على مثل الريح في تصرّفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>