للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقتال منبت المنايا. إذا كنت في غير بلدك فلا تنس نصيبك من الذّل. الغربة كربة. النّقلة مثلة. الغريب كالغرس الذى زايل أرضه، وفقد شربه؛ فهو ذاو لا يثّمر، وذابل لا ينضر الغريب كالوحش النائى عن وطنه؛ فهو لكل سبع فريسة، ولكل رام رميّة؛ وأنشد:

لقرب الدار في الإقتار خير ... من العيش الموسّع في اغتراب

وقال أبو الفتح البستى:

لا يعدم المرء شيئا يستعين به ... ومنعه بين أهليه وأصحابه

ومن نأى عنهم قلّت مهابته ... كالليث يحقر لمّا غاب عن غابه

[[العزل والإبعاد والحجب بعد التقريب والمؤانسة]]

كتب أبو عبيد الله إلى المهدى بعد عزله إياه عن الدواوين: لم ينكر أمير المؤمنين حالى في قرب المؤانسة وخصوص الخلطة، وحالى عنده قبل ذلك في قيامى بواجب خدمته، التى أذنتنى من نعمته، فلم أبدّل- أعزّ الله أمير المؤمنين- حال التبعيد، ويقرّب في محل الإقصاء، وما يعلم الله منى فيما قلت إلّا ما علمه أمير المؤمنين، فإن رأى أكرمه الله أن يعارض قولى بعلمه بدءا وعاقبة فعل إن شاء الله.

فلما قرأ كتابه شهد بتصديقه قلبه، فقال: ظلمنا أبا عبيد الله، فيردّ إلى حاله، ويعلم ما تجدّد له من حسن رأيى فيه.

ولما أمر المأمون أن يحجب عنه الفضل بن الربيع لسبب تألّم قلبه منه كتب إليه:

يا أمير المؤمنين! لم ينسنى التقريب حالى أيام التبعيد، ولا أغفلتنى المؤانسة عن شكر الابتداء؛ فعلى أىّ الحالين أبعد من أمير المؤمنين، ويلحقنى ذمّ التقصير في واجب خدمته؟ وأمير المؤمنين أعدل شهودى على الصّدق فيما وصفت؛ فإن رأى أمير المؤمنين ألا يكنم شهادتى فعل إن شاء الله.

وقال أبو جعفر المنصور لأبى مسلم حين أزمع قتله: هل كنت قبل قيامك بدولتنا جائز الأمر على عبدين؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين. قال: فلم لم تعرض

<<  <  ج: ص:  >  >>