للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخلوع محمد بن الرشد لما قتل أمر طاهر بن الحسين الكتّاب أن يكتبوا إلى المأمون؛ فأطالوا، فقال طاهر: أريد أخصر من هذا فوصف له أحمد بن يوسف وموضعه من البلاغة، فأحضره لذلك، فكتب: أمّا بعد فان كان المخلوع قسم أمير المؤمنين في النّسب واللّحمة، فقد فرّق بينهما حكم الكتاب في الولاية والخدمة، بمفارقته عصمة الدين، وخروجه عن الأمر الجامع للمسلمين؛ لقول الله عزّ وجل فيما اقتص [علينا] من نبأ نوح وابنه: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) ، ولا طاعة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله؛ وكتابى إلى أمير المؤمنين وقد أنجز الله له ما كان ينتظر من سابق وعده، والحمد لله الراجع إلى أمير المؤمنين معلوم حقّه، الكائد له فيمن ختر عهده، ونقض عقده، حتى ردّ به الألفة بعد فرقتها، وجمع به الأمة بعد شتاتها، وأضاء به أعلام الدين بعد دروسا؛ وقد بعثت إليك بالدنيا وهي رأس المخلوع، وبالآخرة وهي البردة والقضيب؛ والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين حقّه، الراجع إليه تراث آبائه الراشدين.

وكان أحمد بن أبى خالد كثيرا ما يصف أحمد للمأمون ويحثّه عليه، فأمره المأمون بإحضاره، فلما وقف بين يديه قال: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذى استخصّك فيما استحفظك من دينه، وقلّدك من خلافته، بسوابغ نعمه، وفضائل قسمه، وعرّفك من تيسير كلّ عسير حاولك عليه متمرّد، حتى ذلّ لك ما جعله تكملة لما حباك به من موارد أموره بنجح مصادرها، حمدا ناميا زائدا لا ينقطع أولاه، ولا ينقضى أخراه، وأنا أسأل الله يا أمير المؤمنين من إتمام بلائه لديك، ومننه عليك، وكفايته ما ولّاك واسترعاك، وتحصين ما حاز لك، والتمكين من بلاد عدوّك، ما يمنع به بيضة الإسلام، ويعزّ بك أهله، ويبيح بك حمى الشّرك، ويجمع لك متباين الألفة، وينجز بك في أهل العناد والضلالة وعده؛ إنه سميع الدعاء، فعّال لما يشاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>