للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا أحمد الله جلّ ذكره في وسط الطعام لشىء خطر ببالى من نعم الله التي لا تحصى، فنهض وقال: أعطى الله عهدا إن عاودت! وما معنى التحميد هنا؟

كأنك تعلمنا أنا قد شبعنا. ثم مال إلى الدواة والقرطاس، وكتب ارتجالا:

وحمد الله يحسن كلّ وقت ... ولكن ليس في أولى الطعام

لأنك تحشم الأضياف فيه ... وتأمرهم بإسراع القيام

وتؤذنهم، وما شبعوا، بشبع ... وذلك ليس من خلق الكرام

وكتب المريمى إلى بعض إخوانه وقد ترك النبيذ:

إن كنت تبت عن الصّهباء تشربها ... نسكا فما تبت عن برّ وإحسان

تب راشدا، واسقنا منها، وإن عذلوا ... فيما فعلت فقل ما تلب إخوانى

وقال بعض النبيذيّين، وقد ترك الشرب:

تحامونى لتركى شرب راح ... أقمت مكانها الماء القراحا

وما انفردوا بها دونى لفضل ... إذا ما كنت أكثرهم مراحا

وأرفعهم على وتر وصنج ... وأطرفهم وأظرفهم مزاحا

إذا شقّوا الجيوب شققت جيبى ... وإن صاحوا علوتهم صياحا

[فقر للنبيذيين]

ما جمشت الدنيا بأظرف من النبيذ، ما للعقار والوقار. إنما العيش مع الطّيش، الراح ترياق سمّ الهمّ. النبيذ ستر فانظر مع من تهتكه. اشرب النبيذ ما استبشعته، فإذا استطبته فدعه. لولا أنّ المخمور يعلم قصّته لقدّم وصيّته.

الصاحى بين السكارى كالحىّ بين الموتى: يضحك من عقلهم، ويأكل من نقلهم. أحمق ما يكون السّكران إذا تعاقل. التبذل على النبيذ ظرف، والوقار عليه سخف، حدّ السّكران أن تغرب الهموم، ويظهر السرّ المكتوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>