للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجاحظ شعرا رائعا؟ قلنا: لا، قال: فهلمّوا إلى كلامه؛ فهو بعيد الإشارات، قريب العبارات، قليل الاستعارات، منقاد لعريان الكلام يستعمله، نفور من معتاصه يهمله، فهل سمعتم له بكلمة غير مسموعة، أو لفظة غير مصنوعة؟

فقلت: لا، فقال: هل تحبّ أن تسمع من الكلام ما يخفّف عن منكبيك، وينمّ على ما في يديك؟ فقلت: إى والله، قال: فأطلق لى عن خنصرك ما يعين على شكرك، فأنلته ردائى، فقال:

لعمر الذى ألقى إلىّ ثيابه ... لقد كسبت تلك الثياب به مجدا

وقد قمرته راحة الجود بزة ... فما ضربت قدحا ولا نصبت نردا

أعد نظرا يا من كسانى ثيابه ... ولا تدع الأيام تهدمنى هدّا

وقل للألى إن أسفروا أسفروا ضحى ... وإن طلعوا في غمّة طلعوا وردا

صلوا رحم العليا وبلوا لهاتها ... فخير النّدى ما سحّ وابله نقدا

قال عيسى بن هشام: فارتاحت الجماعة إليه، وانثالت الصّلات عليه، وقلت لما تآانسنا: من أين مطلع هذا البدر؟ فقال:

إسكندرية دارى ... لو قرّ فيها قرارى

لكنّ ليلى بنجد ... وبالحجاز نهارى

[[من كلام الملوك]]

تظلمت رعيّة أردشير بن بابك إليه في سنة مجدبة لعجزهم عن الخراج، وسألته أن يخففه عنهم؛ فكتب لهم ما نسخته: من أردشير المزيد بالبهاء، ابن الملوك العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حفظة البيضة، والكتّاب الذين هم ساسة المملكة، وذوى الحرث الذين هم عمرة البلاد، أما بعد، فإنّا نحمد الله تعالى حمد الصالحين، وقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتنا الموظّفة عليهم سنتنا هذه، ونحن كاتبون مع ذلك نميلهم بوصية تنفع الكلّ: لا تستشعروا الحقد

<<  <  ج: ص:  >  >>