للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصرى، وأن يرى ما بقى من ظرفه وشهوته لما كان عليه؛ فأحضره وقد كبر وضعف، فسقاه حتى سكر، وقال لخادمه شفيع: اسقه؛ فسقاه وحياه بوردة، وكانت على شفيع أثواب، فمدّ الحسين يده إلى درع شفيع، فقال المتوكل:

أتخمش غلامى بحضرتى؟ كيف لو خلوت به! ما أحوجك يا حسين إلى أدب! وكان المتوكل غمز شفيعا على العبث به، فقال حسين: سيدى، أريد دواة وقرطاسا؛ فأمر له بهما، فكتب:

وكالوردة البيضاء حيّا بأحمر ... من الورد يسعى في قراطق كالورد «١»

له عبثات عند كلّ تحيّة ... بكفّيه يستدعى الخلىّ إلى الوجد

تمنيت أن أسقى بكفيه شربة ... تذكرنى ما قد نسيت من العهد

سقى الله عيشا لم أنم فيه ليلة ... من الدهر إلّا من حبيب على وعد

ثم دفع الرقعة إلى شفيع، وقال: ادفعها إلى مولاك؛ فلما قرأها استملحها، وقال: لو كان شفيع ممن تجوز هبته لو هبته لك، ولكن بحياتى يا شفيع إلّا كنت ساقيه بقيّة يومه! وأمر له بمال كثير حمل معه لما انصرف.

قال يزيد المهلبى: فصرت إلى الحسين بعد انصرافه من عند المتوكل بأيام، فقلت: ويحك! أتدرى ما صنعت؟ قال: لا أدع عادتى بشىء، وقد قلت بعدك:

لا رأى عطفة الأحببة من لا يصرح ... أصغر الساقيين أشكل عندى وأملح

لو تراه كالظبى يسنح طورا ويبرح ... خلت غصنا على كثيب بنور يوشّح

<<  <  ج: ص:  >  >>