للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرارها، وأظهرت يد الغيث آثارها، وأبدت الرياض أزهارها. الرياض كالعرائس في حليها وزخارفها، والقيان في وشيها ومطارفها، باسطة زرابيّها وأنماطها، ناشرة حبراتها ورياطها، زاهية بحمرائها وصفرائها، نائهة بعيدانها وغدرانها، كأنما احتفلت لوفد، أو هي من حبيب على وعد. روضة قد تضوّعت بالأرج الطّيّب أرجاؤها، وتبرّجت في ظلل الغمام صحراؤها، وتنافجت بنوافج المسك أنوارها، وتعارضت بغرائب النّطق أطيارها. بستان رقّ نوره النضيد، وراق عوده النضير. بستان عوده خضر، ونوره نضر، وينعه خضل، وماؤه خصر. بستان أرضه للبقل والريحان، وسماؤه للنخل والرمان. بستان أنهاره مفروزة بالأزهار، وأشجاره موقرة بالثمار. أشجار كأنّ الحور أعارتها قدودها، وكستها برودها، وحلّتها عقودها. الربيع شباب الزمان، ومقدمة الورد والريحان. زمن الورد مرموق، كأنه من الجنّة مسروق. قد ورد كتاب الورد، بإقباله إلى أهل الود. إذا ورد الورد، صدر البرد. مرحبا بإشراف الزهر، فى أطراف الدهر، وأنشد:

سقى الله وردا صار خدّ ربيعنا ... فقد كان قبل اليوم ليس له خدّ

كأنّ عين النرجس عين، وورقه ورق «١» النرجس نزهة الطّرف، وظرف الظّرف، وغذاء الروح: شقائق كتيجان العقيق على رءوس الزنوج، كأنها أصداغ المسك على الوجنات المورّدة. شقائق كالزنوج تجارحت وسالت دماؤها، وضعفت فسال ذماؤها. كأن الشقيق جام من عقيق أحمر، ملئت قرارته بمسك أذفر. الأرض زمرّدة، والأشجار وشى، والماء سيوف، والطيور قيمان. قد غرّدت خطباء الأطيار، على منابر الأنوار والأزهار. إذا صدح الحمام، صدع الحمام قلب المستهام انظر إلى طرب الأشجار لغناء الأطيار. ليس للبلابل كغناء البلابل «٢» ، وخمر بابل.

<<  <  ج: ص:  >  >>