للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشتان ما بينى وبين ابن خالد ... أميّة في الرّزق الذى الله يقسم

ثم قال: يا أبا الحارث، أنا وأنت نجرى إلى غاية إن قصّرنا عنها ذممنا، وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا؛ وإنما نحن شعبة من أصل، إن قوى قوينا، وإن ضعف ضعفنا؛ إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكفاء: يشاور النساء، ويعتمد على الرؤيا، وقد أمكن أهل اللهو والخسارة من سمعه؛ فهم يمنّونه الظّفر، ويعدونه عواقب الأيام؛ والهلاك إليه أسرع من السيل إلى قيعان الرّمل؛ وقد خشيت أن نهلك بهلاكه، ونعطب بعطبه، وأنت فارس العرب وابن فارسها، وقد فزع إليك في لقاء طاهر لأمرين: أحدهما صدق طاعتك، وفضل نصيحتك؛ والثانى يمن نقيبتك، وشدّة بأسك؛ وقد أمرنى أن أبسط يدك، غير أنّ الاقتصاد رأس النصحية، ومفتاح البركة؛ فبادر ما تريد، وعجّل النهضة، فإنى أرجو أن يوليك الله شرف هذا الفتح، ويلم بك شعث الخلافة.

فقلت له: أنا لطاعتك وطاعة أمير المؤمنين مقدم، ولما وهن عدوّ كما مؤثر؛ غير أنّ المحارب لا يفتتح أمره بتقصير؛ وإنما ملاك أمره الجنود، والجنود لا تكون بلا مال، وقد رفع أمير المؤمنين الرغائب إلى قوم لم يجدوا عليه، ومتى سمت من أقدر به الانتفاع له الرضا بدون ما أخذه غيره ممن لم يكن عنده غناء ولا معونة، لم ينتظم بذلك التدبير، وأحتاج لأصحابى رزق سنة قبضا، وحملا إلى ألف فرس لحمل من لا أرتضى فرسه، وإلى مال أستظهر به، لا ألام على وضعه حيث رأيت. فقال: شاور أمير المؤمنين؛ فأدخلنى عليه، فلم تدر بينى وبينه كلمتان حتى أمر بحبسى.

ويروى أن الأمين لما أعيته مكايد طاهر قال:

بليت بأشجع الثقلين نفسا ... تزول الراسيات وما يزول

له مع كل ذى بدن رقيب ... يشاهده ويعلم ما يقول

فليس بمغفل أمرا عناه ... إذا ما الأمر ضيّعه الجهول

<<  <  ج: ص:  >  >>