للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتّعالى على صديقك؟ ولم نبذتنى نبذ النّواة، وطرحتنى طرح القذاة؟ ولم تلفظنى من فيك، وتمجّنى من خلقك؟ وأنا الحلال الحلو، والبارد العذب، كيف لا تخطرنى ببالك خطرة، وتصيّرنى من أشغالك مرة؛ فترسل سلاما إن لم تتجشم مكاتبة، وتذكرنى فيمن تذكر إن لم تكن مخاطبة؟ وأحسب كتابى سيرد عليك فتنكره حتى تتثبّت، ولا تجمع بين اسم كاتبه وتصوّر شخصه حتى تتذكّر؛ فقد صرت عندك ممن محا النسيان صورته من صدرك، واسمه من صحيفة حفظك، ولعلك أيضا تتعجب من طمعى فيك وقد تولّيت، واستمالتى لك وقد أبيت، ولا عجب فقد يتفجّر الصّخر بالماء الزلال، ويلين من هو أقسى منك قلبا فيعود إلى الوصال، وآخر ما أقوله أنّ ودّى وقف عليك، وحبس في سبيلك، ومتى عدت إليه وجدته غضّا طريّا، فجرّبه في المعاودة فإنه في العود أحمد.

اجتليت هذا الكلام على اختيار الاختصار.

حلّ قوله «فقد يتفجر الصخر بالماء الزلال» من قول ابن الرومى:

يا شبيه البدر في الحسن وفي بعد المنال ... جد فقد تنفجر الصّخرة بالماء الزّلال

وفي هذه الرسالة في ذكر فتح وإن لم يستبق منه المعنى:

وقد خصنا الله تعالى معاشر عبد الأمير عضد الدولة بنعمة يعلو مراتب النعم موقعها، ويفوت مقدار المواهب موضعها، فباسمه- أبقاه الله- فتح الفتح، وبشعاره استنزل النّجح، وبيمن نقييته فرج الكرب، وبسعادة جدّه كشف الخطب، وباهتزازه للدولة وحمايته عاد إليها ماؤها، وراجعها بهاؤها، فعزّ الملك ونصر، وذلّ العدو وقهر، وحميت أطراف الدولة، وحفظت أكناف المّلة، واستجدّ نظام النعمة، وسدلت ستور الصيانة دون الحرمة؛ ولو جعل المولى- تقدّس اسمه- لنعمته إذا تناهت على عبيده جزاء غير الإخلاص في شكره، وقبل ما في مقابلة الموهبة التي بستجدها عند خلقه غير

<<  <  ج: ص:  >  >>