للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حشمة، ولست ممن يذهب عليه أن للسلطان أن يرفع عبدا حبشيا، ويضع قرشيّا، ولكن أحب أن أقف من مكانى على رتبة كوكبها لا يغور، ومنزلة لولبها لا يدور؛ فإذا عرفت قدرى وخطه، لم أتخطّه، ثم إن رأيت محلّى وحدّه، لم أتعدّه، إن قدّمنى يوما عليها علمت أن عناية قدمتنى، وإن أخّرنى عنها علمت أنّ جناية أخرتنى. رفع علىّ اليوم فلان ولست أنكر سنّه وفضله، ولا أجحد بيته وأصله، ولكن لم تجر العادة بتقدّمه، لا في الأيام الخالية، ولا في هذه الأيام العالية؛ وشديد على الإنسان ما لم يعوّد؛ فإن كان حاسد قد همّ، أو كاشح قد نمّ، أو خطب قد ألمّ، أو أمر قد وقع وتمّ، فالشيخ الجليل أولى من يعرفه ويعرّفنيه، وإلا فما الرأى الذى أوجب اصطناعى، ثم ضياعى، والسبب الذى اقتضى بيعى بعد ابتياعى؟

[[بين المأمون وإبراهيم بن المهدى]]

ولما رضي المأمون عن إبراهيم بن المهدى أمر به فأدخل عليه، فلما وقف بين يديه قال: ولىّ الثأر محكّم في القصاص، ومن تناوله الاغترار بما مدّله من أسباب الرجاء أمن عادية الدهر من نفسه، وقد جعلك الله تعالى فوق كل ذى ذنب، كما جعل كلّ ذى ذنب دونك، فإن أخذت فبحقّك، وإن عفوت فبفضلك.

ثم قال:

ذنبى إليك عظيم ... وأنت أعظم منه

فخذ بحقّك، أو لا ... فاصفح بفضلك عنه

إن لم أكن في فعالى ... من الكرام فكنه

فقال لى: إنى شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك، فأشارا به، قال: فما قلت لهما يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت لهما: بدأناه بإحسان، ونحن نستأمره فيه، فإن غيّر فالله يغير ما به، قال: أما أن يكونا قد نصحا في عظيم ما جرت عليه السياسة

<<  <  ج: ص:  >  >>