للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد فعلا وبلغا ما يبلغك، وهو الرأى السديد، ولكنك أبيت ألا تستجلب النصر إلّا من حيث عوّدك الله. ثم استعبر باكيا، فقال له المأمون: ما يبكيك؟

قال: جذلا! إذ كان ذنبى إلى من هذه صفته في الإنعام، ثم قال: إنه وإن كان قد بلغ جرمى استحلال دمى، فعلم أمير المؤمنين وفضله بلغانى عفوه، ولى بعدهما شفاعة الإقرار بالذنب، وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال: يا إبراهيم، لقد حبّب إلىّ العفو حتى خفت ألّا أوجر عليه، أما لو علم الناس مالنا في العفو من اللذة لتقرّبوا إلينا بالجنايات، لا تثريب عليك يغفر الله لك، ولو لم يكن في حقّ نسبك ما يبلغ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أملت حسن تنصلك ولطف توصلك ثم أمر بردّ ضياعه وأمواله، فقال:

رددت مالى ولم تبخل علىّ به ... وقبل ردّك مالى قد حقنت دمى

وقام علمك بى فاحتجّ عندك لى ... مقام شاهد عدل غير متّهم

فلو بذلت دمى أبغى رضاك به ... والمال حتى أسلّ النّعل من قدمى

ما كان ذاك سوى عارّية سلفت ... لو لم تهبها لكنت اليوم لم تلم

أخذ معنى قول المأمون: «لقد حبّب إلىّ العفو حتى خفت ألا أوجر عليه» أبو تمام الطائى فقال:

لو يعلم العافون كم لك في الندى ... من لذة وقريحة لم تخمد

فكان أبو تمام في هذا كما قال أبو العباس المعتز في القاسم بن عبيد الله:

إذا ما مدحناه استعنّا بفعله ... فنأخذ معنى قولنا من فعاله

وكان تصويب إبراهيم لرأى أبى إسحاق المعتصم والعباس بن المأمون ألطف فى طلب الرضا ودفع المكروه واستمالتهما إلى العاطفة عليه من الإزراء عليهما في رأيهما، وكان إبراهيم يقول: والله ما عفا عنى لرحم ولا لمحبة؛ ولكن قامت له سوق في العفو كره أن يفسدها [بى] .

وكان المأمون شاور في قتل إبراهيم أحمد بن أبى خالد الأحول، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>