للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال إسحاق بن إبراهيم الموصلى: دخلت على المعتصم يوما وقد خلا، وعنده جارية تعنّيه، وكان معجبا بها، فلما جلست قال لى: يا أبا إسحاق، كيف تراها؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، أراها تقهره بحذق، وتختله برفق، ولا تخرج من حسن إلّا إلى أحسن منه، وفى حلقها شذور نغم أحسن من دوام النعم، قال: يا إسحاق؛ هن غايات الأمل، ومنسيات الأجل، والسقم الداخل، والشغل الشاغل، وإن صفتك هذه لو سمعها من لم يرها لفقد لبّه، وقضى نحبه.

وسئل إسحاق عن المجيد من المغنين، فقال: من لطف فى اختلاسه، وتمكّن من أنفاسه، وتفرّع فى أجناسه، يكاد يعرف ضمائر مجالسيه، وشهوات معاشريه، يقرع مسمع كلّ واحد منهم بالنحو الذى يوافق هواه، ويطابق معناه.

وكان إسحاق بن إبراهيم قد جمع إلى حذقه بصتاعته حسن التصرف فى العلوم، وجودة الصنعة للشعر، وحدّث عن نفسه فقال: كنت أيام الرشيد أبكّر إلى هشيم ووكيع فأسمع منهما، ثم أنصرف إلى عاتكة بنت شهيد؛ فتطارحنى صوتين، ثم أصير إلى زلزل الضارب فآخذ منه طريقين، ثم أسير إلى منزلى فأبعث إلى أبى عبيدة والأصمعى، فلا يزالان عندى إلى الظهر، ثم أذهب إلى الخليفة.

ونزل أبوه بالموصل وليس من أهلها فنسب إليها، وهو مولى خزيمة بن خازم «١» التميمى، وفى ذلك يقول إسحاق:

إذا مضر الحمراء كانت أرومتى ... وقام بنصرى خازم وابن خازم

عطست بأنفى شامخا وتناولت ... بنانى الثريّا قاعدا غير قائم

وفيه يقول محمد بن عامر الجرجانى يرثيه:

على الجدث الشرقىّ عوجا فسلّما ... ببغداد لما صدّ عنه عوائده

أإسحاق لا تبعد، وإن كان قد رمى ... بك الموت مرمى ليس يصدر وارده

متى تأته يوما تحاول منفسا ... من الدين والدنيا فإنك واجده

<<  <  ج: ص:  >  >>