للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظباء أعارتها الظّبا حسن مشيها ... كما قد أعارتها العيون الجاذر

فمن حسن ذاك المشى قامت فقبّلت ... مواطىء من أقدامهنّ الغدائر

وقال مسلم بن الوليد:

أجدّك هل تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك ينشر

نصبت لها حتى تجلّت بغرّة ... كغرّة يحيى حين يذكر جعفر

[[وحدة القصيدة واتساقها]]

قال الحاتمى: مثل القصيدة مثل الإنسان فى اتّصال بعض أعضائه ببعض؛ فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه فى صحّة التركيب، غادر الجسم ذا عاهة تتخوّن «١» محاسنه، وتعفّى معالمه؛ وقد وجدت حذّاق المتقدّمين وأرباب الصناعة من المحدثين بحترسون فى مثل هذا الحال احتراسا يجنّبهم شوائب النقصان، ويقف بهم على محجّة الإحسان، حتى يقع الاتّصال، ويؤمن الانفصال، وتأتى القصيدة فى تناسب صدورها وأعجازها وانتظام نسيبها بمديحها كالرسالة البليغة، والخطبة الموجزة، لا ينفصل جزء منها عن جزء، وهذا مذهب اختصّ به المحدثون؛ لتوقّد خواطرهم، ولطف أفكارهم، واعتمادهم البديع وأفانينه فى أشعارهم، وكأنه مذهب سهّلوا حزنه «٢» ، ونهجوا رسمه؛ فأمّا الفحول الأوائل، ومن تلاهم من المخضرمين والإسلاميين فمذهبهم المتعالم «عدّ عن كذا إلى كذا» «٣» وقصارى كلّ واحد منهم وصف ناقته بالعتق، والنّجابة والنجاء، وأنه امتطاها؛ فادّرع عليها جلباب اللّيل؛ وربما اتّفق لأحدهم معنى لطيف يتخلّص به إلى غرض لم يتعمّده إلا أن طبعه السليم، وصراطه فى الشعر المستقيم، نصبا مناره «٤» وأوقدا باليفاع ناره؛ فمن أحسن تخلّص شاعر إلى معتمده قول النابغة الذبيانى:

<<  <  ج: ص:  >  >>