للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء وذمام التأميل] ، وقرّر عنده ما ناله من المكاره فى المسير، بدأ فى المديح فبعثه على المكافأة، وفضّله على الأشباه، وصغّر فى قدره الجزيل، وهزّه لفعل الجميل؛ فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحدا أغلب على الشعر، ولم يطل فيملّ السامعين، ولم يقطع وفى النفوس ظمأ إلى المزيد.

[[موازنة بين أبى تمام والبحترى]]

ويتعلق بهذه القطعة ما حدّث به الحاتمى عن نفسه، وإن كانت الحكاية طويلة فهى غير مملولة؛ لما لبسته من حلل الآداب، وتزينت به من حلى الألباب، قال: جمعنى ورجلا من مشايخ البصرة ممن يومأ إليه فى علم الشعر مجلس بعض الرؤساء، وكان خبره قد سبق إلىّ فى عصبيّته للبحترى، وتفضيله إياه على أبى تمام، ووجدت صاحب المجلس مؤثرا لاستماع كلامنا فى هذا المعنى، فأنشأت قولا أنحيت فيه على البحترى إنحاء أسرفت فيه، واقتدحت زناد الرجل، فتكلّم وتكلمت، وخضنا فى أفانين من التفضيل والمماثلة، غلوت فى جميعها غلوّا شهده جميع من حضر المجلس، وكانوا جلّة الوقت، وأعيان الفضل، فاضطر إلى أن قال: ما يحسن أبو تمام يبتدىء، ولا يخرج، ولا يختم، ولو لم يكن للبحترى عليه من الفضل إلا حسن ابتداءاته، ولطف خروجه، وسرعة انتهائه، لوجب أن يقع التسليم له، فكيف بأوابده التى تزداد على التكرار غضارة وجدة ثم أقبل علىّ، فقال: أين يذهب بك عن ابتدائه:

عارضننا أصلا فقلنا الرّبرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب «١»

واخضرّ موشىّ البرود وقد بدا ... منهن ديباج الخدود المذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>