للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: يا أمير المؤمنين، إذا غنّانا عمير ذكرت مواطن الإبل، وكثبان الرمل، وإذا غنتنا فلانة انبسط أملى، وقوى جذلى، وانشرح صدرى، وذكرت الجنان والولدان، كم بين أن تغنيك جارية غادة كأنها غصن بان، ترنو بمقلة وسنان؛ كأنما خلقت من ياقوتة، أو خرطت من فضّة، بشعر عكاشة العمّى حيث يقول:

من كفّ جارية كأن بنانها ... من فضة قد طرّفت عنّابا

وكأنّ يمناها إذا ضربت بها ... تلقى على الكفّ الشمال حسابا

وبين أن يغنيك رجل كثّ اللحية، غليظ الأصابع، خشن الكف، بشعر ورقاء بن زهير حيث يقول:

رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادره «١»

وكم بين أن يحضرك من تشتهى النظر إليه، وبين من لا يقف طرفك عليه؟ فتيسم المأمون، وقال: الفرق بينهما واضح، والمنهج فسيح؛ يا غلام، لا تأذن له، وأحضر أطيب قيناته، فظللنا فى أمتع يوم.

وعكاشة هذا هو عكاشة بن عبد الصمد البصرى، نقىّ الديباجة، ظريف الشعر، وكان شاعرا مجيدا. وقد أخذ معنى قوله أبو العباس الناشىء، وزاد فيه، فقال:

وإذا بصرت بكفها اليسرى حكت ... يد حاسب تلقي عليك صنوفا

فكأنما المضراب فى أوتاره ... قلم يمجمج فى الكتاب حروفا

ويجسّه إبهامها فكأنما ... فى النّقر تنفى بهرجا وزيوفا

أخذ هذا البيت من قول أبى شجرة السلمى وذكر ناقته:

تطير عنها حصى الظّرّان من بلد ... كما تنوقد عند الجهبذ الورق «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>