للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يميز بين خبيث القول وطيّبه، ولا يفرق بين بكره وثيّبه. هو بارد العبارة، ثقيل الاستعارة. هو من بين الشعراء منبوذ بالعراء. لم يلبس شعره حلّة الطلاوة.

له شعر لا يطيب درسه، ولا يخف سرده، وخطّ مضطرب الحروف، متضاعف التضعيف والتحريف. خطّ يقذى العين ويشجى الصّدر. خط منحطّ، كأنه أرجل البطّ، وأنامل السرطان، على الحيطان. قلمه لا يستجيب بريه، ومداده لا يساعد جريه. قلمه كالولد العاقّ، والأخ المشاق، إذا أدرته استطال، وإذا قوّمته مال، وإذا بعثته وقف، وإذا وقفته انحرف. قلم مائل الشق، مضطرب المشق، متفاوت [البرى، معدوم الجرى، محرّف القطّ. قلم لم يقلّم ظفره فهو] يخدش القرطاس، وينقش الأنقاس «١» ، ويأخذ بالأنفاس. قلم لا يبعث إذا بعثته، ولا يقف إذا وقفته. قد وقف اضطراب [بريه، دون استمرار] جريه، واقتطع تفاوت قطّه، عن تجويد خطه.

[[وصف الكلام]]

ذكر عتبة بن أبى سفيان كلام العرب فقال: إن للعرب كلاما هو أرقّ من الهواء، وأعذب من الماء، مرق من أفواههم مروق السهام من قسيّها، بكلمات مؤتلفات، إن فسّرت بغيرها عطلت، وإن بدلت بسواها من الكلام استصعبت؛ فسهولة ألفاظهم توهمك أنها ممكنة إذا سمعت، وصعوبتها تعلمك أنها مفقودة إذا طلبت. هم اللطيف فهمهم، النافع علمهم، بلغتهم نزل القرآن، وبها يدرك البيان، وكلّ نوع من معناه مباين لما سواه، والناس إلى قولهم يصيرون، وبهداهم يأتمّون، أكثر الناس أحلاما، وأكرمهم أخلاقا.

وكان يقال: خير الكلام المطمع الممتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>