للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منى، واعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول، وإذا حدّثتك حديثا فلا يفوتنّك شىء منه؛ وأرنى فهمك فى طرفك؛ إنى اتخذتك وزيرا بعد أن كنت معلّما، وجعلتك جليسا مقرّبا بعد أن كنت مع الصبيان مبعدا، ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما صرت إليه.

وساير الرشيد عبد الملك، فقال له قائل: طأطىء من إشرافه، واشدد من شكائمه، وإلّا فسد عليك، فقال له الرشيد: ما يقول هذا؟ قال: حاسد نعمة، ونافس رتبة، أغضبه رضاك عنى، وباعده قربك منى، وأساءه إحسانك إلىّ.

فقال له الرشيد: انخفض القوم وعلوتهم؛ فتوقّدت فى قلوبهم جمرة التأسّف.

فقال عبد الملك: أضرمها الله بالتزيّد عندك! فقال الرشيد: هذا لك وذاك لهم.

وصعد المنبر، فأرتج عليه فقال: أيّها الناس، إن اللسان بضعة من الإنسان تكلّ بكلاله إذا كلّ، وتنفسح [بانفساحه] إذا ارتجل، إن الكلام بعد الإفحام كالإشراق بعد الإظلام، وإنا لا نسكت حصرا، ولا ننطق هذرا؛ بل نسكت مفيدين، وننطق مرشدين، وبعد مقامنا مقام، ووراء أيامنا أيّام، بها فصل الخطاب، ومواقع الصواب، وسأعود فأقول، إن شاء الله تعالى وقال الأصمعى: كنت عند الرشيد فدعا بعبد الملك بن صالح من حبسه، فقال: يا عبد الملك، أكفرا بالنّعمة «١» ، وغدرا بالسلطان، ووثوبا على الإمام؟

فقال: يا أمير المؤمنين، بؤت بأعباء الندم، واستحلال النّقم، وما ذاك إلّا من قول حاسد، ناشدتك الله والولاية، ومودّة القرابة. فقال الرشيد: يا عبد الملك، تضع لى لسانك، وترفع لى جنانك، بحيث يحفظ الله لى عليك، ويأخذ لى منك، هذا كاتبك قمامة ينبىء عن غلّك «٢» ، فالتفت عبد الملك إلى قمامة وكان قائما، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>