للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّى لا يعرف من فنون الخط فنّا، ولا يقرأ من سائره حرفا، فبقى عمود ذلك فى أهله، فهم يشرفون بالشّبه الكريم فى نقص الخط، كما يشرف غيرهم بزيادته؛ وإن أمير المؤمنين أخصّ الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، والوارث لموضعه، والمتقلّد لأمره ونهيه؛ فعلقت به المشابهة الجليلة، وتناهت إليه الفضيلة فقال المأمون: يا محمد، لقد تركتنى لا آسى على الكتابة، ولو كنت أمّيا.

وهذا شبيه بقول سعيد بن المسيب، وقد قيل له: ما بال قريش أضعف العرب شعرا، وهى أشرف العرب بيتا؟ قال: لأنّ كون رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قطع متن الشعر عنها.

وقال إبراهيم بن الحسن بن سهل: كنّا فى مجلس المأمون وعمرو بن مسعدة يقرأ عليه الرقاع، فجاءته عطسة، فلوى عنقه فردّها، فرآه المأمون فقال: يا عمرو، لا تفعل فإن ردّ العطسة وتحويل الوجه بها يورثان انقطاعا فى العنق. فقال بعض ولد المهدى: ما أحسنها من مولّى لعبده، وإمام لرعيته! فقال المأمون: وما فى ذلك؟ هذا هشام اضطربت عمامته فأهوى الأبرش الكلبى إلى إصلاحها، فقال هشام: إنّا لا نتّخذ الإخوان خولا «١» ! فالذى قال هشام أحسن مما قلته. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين: إنّ هشاما يتكلّف ما طبعت عليه، [ويظلم] فيما تعدل فيه، ليس له قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قيامك بحق الله، وإنك والملوك لكما قال النابغة الذبيانى:

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب

لأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

أخذ النابغة هذا من قول شاعر قديم من كندة:

<<  <  ج: ص:  >  >>