للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الخدمة؟ إذن فقد أساء المعاملة، ولم يحسن المقابلة، وعثر فى أذيال السهو، ولم ينعش بيد العفو، أم يقول: إن الدهر بيننا خدع، وفيما بعد متّسع، فقد أزف رحيلى «١» ، ولا ماء بعد الشطّ، ولا سطح وراء الخط؛ أم ينتظر سؤالى؟ وإنما سألته، يوم أمّلته، واستمنحته «٢» ، يوم مدحته، واقتضيته، يوم أتيته، وانتجعت سحابه، لما قرعت بابه، وليس كل السؤال أعطنى، ولا كل الردّ أعفنى؛ أم يظن- أيّده الله تعالى- أنى أردّ صلته، ولا ألبس خلعته؟ وهذه فراسة المؤمن إلا أنها باطلة، ومخيلة العارف إلا أنها فاسدة؛ أم ليس يجد فىّ مكانا للنعمة يضعها، وأرضا للمنّة يزرعها؟ فلا أقل من تجربة دفعة، والمخاطرة بإنفاذ خلعة، ليخرج من ظلمة التخمين، إلى نور اليقين، وينظر أأشكر أم أكفر؛ أم يتوقع- أيده الله- صاعقة تملكنى، أو بائقة تهلكنى «٣» ، فلهذا أمل موفّر، لأن شيخ السوء باق معمّر؛ أم يقدر- أيّده الله- أنى أشكره إذا اصطنع، وأعذره إذا منع، وتالله لو كنت ينبوع المعاذير ما حظى منها بجرعة، فليرحنى بسرعة.

[[بين البديع وأبى القاسم الهمذانى]]

وكتب أبو القاسم الهمذانىّ إلى البديع: قد كتبت لسيدى حاجة إن قضاها وأمضاها، ذاق حلاوة العطاء، وإن أباها وفلّ شباها «٤» لقى مرارة الاستبطاء، فأى الجودين أخفّ عليه؟ أجود بالعلق «٥» ، أم جود بالعرض؟ ونزول عن الطريف، أم عن الخلق الشريف؟

فأجابه: جعلت فداك هذا طبيخ، كله توبيخ، وثريد، كله وعيد، ولقم، إلا أنها نقم، ولم أر قدرا أكثر منها عظما، ولا آكلا أكثر منى كظما، ولم أر شربة أمرّ منها طعما، ولا شاربا أتمّ منى حلما، ما هذه الحاجة؟ ولنكن حاجتك من بعد ألين جوانب، وألطف مطالب، توافق قضاءها وترافق ارتضاءها، إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>