للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى مقامات أبى الفتح «١» الإسكندرى من إنشائه، قال:

حدثنا عيسى بن هشام قال: أحلّنى جامع بخارى يوم، وقد انتظمت مع رفقة فى سمط الثريّا، وحين احتفل الجامع بأهله طلع علينا ذو طمرين «٢» ، قد أرسل صوانا، واستتلى [طفلا] عريانا، يضيق بالضرّ وسعه، ويأخذه القرّ ويدعه، لا يملك غير القشرة «٣» بردة، ولا يلتقى لحياه رعدة، ووقف الرجل وقال: لا ينظر لهذا الطفل إلّا من رحم طفله، ولا يرقّ لهذا الضّر إلا من لا يأمن مثله، يا أصحاب الجدود المفروزة، والأردية المطروزة، والدور المنجّدة، والقصور المشيدة، إنكم لن تأمنوا حادثا، ولن تعدموا وارثا، فبادروا الخير ما أمكن، وأحسنوا مع الدهر ما أحسن، فقد والله طعمنا السّكباج «٤» ، وركبنا الهملاج «٥» ، ولبسنا الديباج، وافترشنا الحشايا بالعشايا، فما راعنا إلا هبوب الدهر بغدره، وانقلاب المجنّ لظهره، فعاد الهملاج قطوفا «٦» ، وانقلب الديباج صوفا، وهلمّ جرا، إلى ما تشاهدون من خالى وزيّى؛ فها نحن نرضع من الدهر ثدى عقيم، ونركب من الفقر ظهر بهيم، ولا نرنو إلا بعين اليتيم، ولا نمد إلا يد العديم، فهل من كريم يجلو عنا غياهب هذه البؤوس، ويفلّ شبا هذه النحوس؟. ثم قعد مرتفقا، وقال للطفل: أنت وشأنك. فقال: وما عسى أن أقول، وهذا الكلام لو لقى الشعر لحلقه، أو الصخر لفلقه، وإنّ قلبا لم ينضجه ما قلت لنىء! قد سمعتم يا قوم، ما لم تسمعوا قبل اليوم، فليشغل كلّ منكم بالجود يده، وليذكر غده، واقيا بى ولده، واذكرونى أذكركم، وأعطونى أشكركم! قال عيسى بن هشام: فما آنسنى فى وحدتى إلا خاتم ختّمت به خنصره، فلما تناوله أنشأ يقول:

وممنطق من نفسه ... بقلادة الجوزاء حسنا

<<  <  ج: ص:  >  >>