للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه، ونفع الكلام يعمّ ويخصّ، والرواة لم ترو سكوت الصامتين، كما روت كلام الناطقين؛ فبالكلام أرسل الله تعالى أنبياءه لا بالصّمت، ومواضع الصّمت المحمودة قليلة، ومواطن الكلام المحمودة كثيرة، وبطول الصّمت يفسد البيان. وكان يقال: محادثة الرجال تلقيح لألباتها.

وذكر الصمت فى مجلس سليمان بن عبد الملك فقال: إنّ من تكلّم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن، وليس من سكت فأحسن يتكلّم فيحسن.

قال بعض النساك: أسكتتنى كلمة ابن مسعود عشرين سنة؛ وهى: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبّخ نفسه.

[[الحنين إلى الأوطان]]

قال أبو عمرو بن العلاء: مما يدلّ على حرية الرجل وكرم غريزته حنينه إلى أوطانه، وتشوّقه إلى متقدم إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

وقالوا: الكريم يحنّ إلى جنابه، كما يحنّ الأسد إلى غابه.

وقالوا: يشتاق اللبيب إلى وطنه، كما يشتاق النجيب إلى عطنه «١» .

[ألفاظ لأهل العصر فى ذكر الوطن]

بلد لا تؤثر عليه بلدا، ولا تصبر عنه أبدا. هو عشّه الذى فيه درج، ومنه خرج. مجمع أسرته، ومقطع سرّته. بلد أنشأته تربته، وغذّاه هواؤه، وربّاه نسيمه، وحلّت عنه التمائم فيه.

قالوا: وكان الناس يتشوّقون إلى أوطانهم، ولا يفهمون العلّة فى ذلك، حتى أوضحها على بن العباس الرّومى فى قصيده لسليمان بن عبد الله بن طاهر يستعديه على رجل من التّجّار، يعرف بابن أبى كامل، أجبره على بيع داره واغتصبه بعض جدرها، بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>