للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوثق الناس عندى، وأقربهم من قلبى، فلما لقى أبا حنيفة انتكث، فقلت: إن فسدت نيته فسيضعه الباطل كما رفعه الحقّ، وتشهد مخايله عليه كما شهدت له، فتعدل فى أمره من شكّ إلى يقين. ثم قال لى: اكتم علىّ ما ألقيت عليك.

قال عمران بن شهاب: استعنت على أبى عبيد الله فى أمر ببعض إخوانه وكان قد تقدّم سؤالى إيّاه فيه، فقال لى: لولا أن حقّك لا يجحد ولا يضاع، لحجبت عنك حسن نظرى؛ أظننتنى أجهل الإحسان حتى أعلّمه، ولا أعرف موضع المعروف حتى أعرّفه؟ لو كان ينال ما عندى إلا بغيرى لكنت مثل البعير الذّلول؛ يحمل عليه الحمل الثقيل، إن قيد انقاد، وإن أنيخ برك، ما يملك من نفسه شيئا، فقلت: معرفتك بموضع الصنائع أثبت معرفة، ولم أجعل فلانا شفيعا إنما جعلته مذكّرا. قال: وأى إذكار أبلغ عندى فى رعى حقّك من مسيرك إليه وتسليمك عليه «١» ، إنه متى لم يتصفّح المأمول أسماء مؤمّليه غدوة ورواحا لم يكن للأمل محلّا، وجرى عليه المقدار لمؤمّليه على يديه بما قدر، وهو غير محمود على ذلك ولا مشكور، ومالى إمام بعدوردى من القرآن إلا أسماء رجال أهل التأميل، حتى أعرضهم على قلبى، فلا تستعن على شريف إلا بشرفه؛ فإنّه يرى ذلك عيبا لعرفه؛ وأنشد:

وذاك امرؤ إن تأته فى عظيمة ... إلى بابه لا تأته بشفيع

ومن توقيعاته: الحق يعقب فلجا أو ظفرا، والباطل يورث كذبا وندما.

وكتب إليه رجل: والنفس مولعة بحبّ العاجل. فكتب إليه: لكن العقل الذى جعله الله للشهوة زماما وللهوى. رباطا موكّل بحبّ الآجل، ومستصغر لكل كثير رائل.

قال مصعب بن عبد الله الزبيرى: وفد زياد الحارثى على المهدى وهو بالرّىّ ولىّ عهد، فأقام سنتين لا يصل إليه شىء من برّه، وهو ملازم كاتبه أبا عبيد الله، فلما طال أمره دخل إلى كاتبه فأنشده:

<<  <  ج: ص:  >  >>