للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك ما عسى أن يعطف به زمام قلبك، وتحنو له على الرّقة به والتحفّى أثناء جوانحك، ولكن الذى أمسيت وأصبحت ممتحنا به فيه شسع «١» على كل بيان، ونزح عن كلّ لسان؛ والحب أيها المالك لم يشبه قذى ريبة، ولم يختلط به قلب معاب، فلا ينبغى لمن كرمت أخلاقه أن يعاف مقاربة صاحبه المدل بحرمة نيته، والذى أتمناه أيها المولى اللطيف مجلس أقف فيه أمامك، ثم أبوح بما أضنى جسدى، وفتّ كبدى، فإن خفّ ذلك عليك ورأيت نشاطا من نفسك إليه كنت كمن فكّ أسيرا وأبرأ عليلا، ومن الخير سلك سبيلا، يتوعّر سلوكها على من كان قبله، ومن يكون بعده؛ ثم أضاف إلى ذلك منّة لا يطيقها جبل راس، ولا فلك دائر، فرأيك أيها السيد المعتمد فى الإسعاف، قبل أن يبدرنى الموت؛ فيحول بينى وبين ما نزعت إليه النفس مواصلا برّا إن شاء الله تعالى.

فأجابه: تولّي الله تعالى ما جرى به لسانك بالمزيد، ولا أوحش ما بيننا بطائر فرقة، ولا صافر تشتّت، وضمّنا وإياك فى أوثق حبال الأنس، وأوكد أسباب الألفة؛ وقفت على ما لخصته من العجز عن بلوغ ما خامر قلبك «٢» ، وانطوى فى ضميرك، من الشّغف المقلق، والهوى المضرع، ولعمرى لو كشفت لك عن معشار ما اشتمل عليه مضمر صدرى لأيقنت أنّ الذى عندك إذا قسته إلى ما عندى كالمتلاشى البائد، ولكنك بفضل الإنعام سبقتنا إلى كشف ما فى الضمير.

وأما طاعتى لك، وذمامى إليك؛ فطاعة العبد المقتنى، الطائع لما يحكم له وعليه مولاه ومالكه، وأنا صائر إليك وقت كذا؛ فتأهّب لذلك بأحمد عافية، وأتمّ عقدة «٣» ، وأسعد نجم جرى بالألفة، إن شاء الله تعالى.

وكتب بعض الكتّاب: إنى لأكره أن أفديك بنفسى استحياء من التقصير

<<  <  ج: ص:  >  >>