للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وفى انتصاف الليل وتناهيه، وانتشار النور، وأفول النجوم]

قد اكتمل الظلام. قد انتصفنا عمر الليل، واستغرقنا شبابه. قد شاب رأس الليل، كاد ينمّ النسيم بالسّحر. قد انكشف غطاء الليل. انهتك «١» ستر الدّجى، وشمطت ذوائبه، وتقوّس ظهره، وتهدّم عمره. قوّضت خيام الليل، وخلع الأفق ثوب الدّجى. أعرض الظلام وتولى، [وتدلّى] عنقود الثريا طرز قميص الليل بغرّة الصبح، وباح الصبح بسرّه. خلع الليل ثيابه، وحدر الصبح نقابه. لاحت تباشير الصبح، وافترّ الفجر عن نواجذه، وضرب النور فى الدّجى بعموده. بثّ الصبح طلائعه. تبرقع الليل بغرّة الصبح. أطار بازى الصبح غراب الليل «٢» ، وعزلت نوافج الليل «٣» بجامات الكافور، وانهزم جند الظلام عن عسكر النور. خلعنا خلعة الظّلام، ولبسنا رداء الصباح، وملأ الآذان برق الصباح، وسطع الضوء، وطلع النور، وأشرقت الدنيا، وأضاءت الآفاق. مالت الجوزاء للغروب، وولت مواكب الكواكب، وتناثرت عقود النجوم، وفرّت أسراب النجوم من حدق الأنام، وهى نطاق الجوزاء، وانطفأ قنديل الثريا. قال بعض الأعراب: خرجنا فى ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها، فمحت صورة الأبدان، فما كنّا نتعارف إلا بالآذان.

قال ابن محكان السعدى:

وليل يقول الناس فى ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها

كأن لنا منه بيوتا حصينة ... مسوحا أعاليها وساجا ستورها «٤»

وهدا بارع جدّا. أراد أنّ أعلاه أشدّ ظلاما من جوانبه.

وقال أعرابى فى صفته: خرجت حين انحدرت النجوم، وشالت أرجلها،

<<  <  ج: ص:  >  >>