للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد فالمعاقب مستدع لعداوة أولياء المذنب، والعافى مسترع لشكرهم آمن من مكافأنهم، ولأن يثنى عليك باتّساع الصدر خير من أن توصف بضيقه، على أنّ إقالتك عثرات عباد الله موجب لإفالة عثرتك من ربّهم، وموصول بعفوه، وعقابك إياهم موصول بعقابه، قال الله عز وجل: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» .

[[بعض ما قيل فى العفو]]

وقال بعض الكتاب لرئيسه وقد عتب عليه: «إذا كنت لم ترض منى بالإساءة فلم رضيت من نفسك بالمكافأة» .

وأذنب رجل من بنى هاشم فقبضه المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، من حمل مثل دالّتى، «١» ولبس ثوب حرمتى، غفر له مثل زلّتى، قال: صدقت وعفا عنه.

ولما دخل بعض الكتاب على أمير بعد نكبة نالته فرأى من الأمير بعض الازدراء، فقال له: لا يضعنى عندك خمول النّبوة، وزوال الثروة؛ فإنّ السيف العتيق إذا مسّه كثير الصدإ استغنى بقليل الجلاء حتى يعود حدّه، ويظهر فرنده؛ ولم أصف نفسى عجبا، لكن شكرا. وقال صلى الله عليه وسلم:

«أنا أشرف ولد آدم ولا فخر» ؛ فجهر بالشكر، وترك الاستطالة بالكبر.

[[تميم بن جميل والمعتصم]]

وكان تميم بن جميل السدوسى [قد أقام] بشاطىء الفرات، واجتمع إليه كثير من الأعراب، فعظم أمره، وبعد ذكره؛ فكتب المعتصم إلى مالك بن طوق فى النهوض إليه، فتبدّد جمعه، «٢» وظفر به فحمله موثقا «٣» إلى باب المعتصم، فقال أحمد بن أبى داود: ما رأيت رجلا عاين الموت، فماها له ولا شغله عما كان يجب عليه أن يفعله إلا تميم بن جميل؛ فإنه لما مثل بين يدى المعتصم وأحضر

<<  <  ج: ص:  >  >>