للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيف والنّطع، ووقف بينهما، تأمله المعتصم- وكان جميلا وسيما- فأحبّ أن يعلم أين لسانه من منظره، فقال: تكلم يا تميم، فقال:

أمّا إذ أذنت يا أمير المؤمنين فأنا أقول: الحمد لله الذى أحسن كلّ شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، [يا أمير المؤمنين:] جبر [الله] بك صدع الدّين، ولمّ بك شعث المسلمين، وأوضح بك سبل الحقّ، وأخمد بك شهاب الباطل؛ إن الذنوب تخرس الألسن الفصيحة، وتعيى الأفئدة الصحيحة، ولقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجّة وساء الظنّ، فلم يبق إلا عفوك وانتقامك، وأرجو أن يكون أقربهما منى وأسرعهما إلىّ أشبههما بك، وأولاهما بكرمك، ثم قال:

أرى الموت بين السيف والنّطع كامنا ... يلاحظنى من حيثما أتلفّت

وأكبر ظنّى أنك اليوم قاتلى ... وأىّ امرىء مما قضى الله يفلت

وأى امرىء يأتى بعذر وحجّة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت «١»

وما جزعى من أن أموت وإننى ... لأعلم أنّ الموت شىء موقّت «٢»

ولكنّ خلفى صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتّت

فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة ... أذود الرّدى عنهم وإن متّ موّتوا

وكم قائل لا يبعد الله داره ... وآخر جذلان يسرّ ويشمت

فتبسّم المعتصم وقال: يا جميل، قد وهبتك للصّبية، وغفرت لك الصّبوة، ثم أمر بفكّ قيوده، وخلع عليه، وعقد له على شاطىء الفرات.

[[من المعتصم إلى عبد الله بن طاهر]]

وكتب المعتصم- حين صارت إليه الخلافة- إلى عبد الله بن طاهر: عافانا الله وإياك، قد كانت فى قلبى منك هنات غفرها الاقتدار «٣» ، وبقيت حزازات أخاف منها عليك عند نظرى إليك؛ فإن أتاك ألف كتاب أستقدمك فيه فلا تقدم،

<<  <  ج: ص:  >  >>