للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقابر أنفع منكم، يستنزه بها من التعب، ويستد فأبها من الريح، ويستظلّ بها من الشمس. والبهائم خير منكم تمتطى ظهورها، وتحتذى جلودها، وتؤكل لحومها.

وكان أبو الفضل بن خنزابه الوزير، ربّما رفع أنفه تيها، فقال له سيبويه، وقد رآه فعل ذلك: أشمّ منى الوزير رائحة كريهة فشمّر أنفه، فأطرق واستعمل البهوض، فخرج سيبويه، فقال له رجل: من أين أقبلت؟ فقال: من عند الزّاهى بنفسه، المدلّ بفرسه «١» ، المستطيل على أبناء جنسه.

واستأذن على مسلم بن عبيد الله العلوى، ومسلم من أهل الحجاز نزل مصر، فحجب عنه، فقال: قولوا له: يرجع إلى لبس العباء، ومصّ النوى، وسكنى الفلا، فهو أشبه به من نعيم الدنيا.

وكان على شرط كافور الإخشيدى أحد الخاصّة، فوجد عليه سيبويه فى بعض الأمر، فعزل عن الشرطة، فوليها ركى «٢» صاحب الراضى، فلم يحمده أيضا، فوقف لكافور وهو مارّ إلى الصلاة يوم الجمعة، فقال: أيها الأستاذ، ولّيت ظالما، وعزلت ظالما، قليل الوفاء، كثير الجفاء، غليظ القفا. فتبسّم ابن برك البغدادى، وكان يسابر كافورا، فقال: وهذا ابن برك ممن يغرّك، لن ينفعك ولن يضرّك.

وأخلى الحمام لمفلح الحسينى، فأتى سيبويه ليدخل، فمنع، وقيل: الأمير مفلح به، فقال: لا أنقى الله مغسوله، ولا بلّغه سوله، ولا وقّاه من العذاب مهوله، وجلس حتى خرج، فقال: إن الحمام [لا يخلى إلّا] لأحد ثلاثة: مبتلّى فى قبله، أو مبتلى فى دبره، أو سلطان يخاف من شره، فأى الثلاثة أنت؟ قال:

أنا المقدّم.

وأحضره أبو بكر بن عبد الله الخازن فقال: قد بلغنى بذاء لسانك، وقبيح

<<  <  ج: ص:  >  >>