للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال خافان بن صبيح: لوحشة الشكّ التمسنا أنس اليقين، ومن ذلّ الجهل هر بنا إلى عزّ المعرفة، ولخوف الضلالة لزمنا الجادّة.

وقال بعض الحكماء: كمون المصائب وسكون النوائب وبغتات المنايا مطويّات فى الساعات، متحركات فى الأوقات، وربّ مغتبط بساعة فيها انقضاء أجله، ومتمتع بوقت صار فيه إلى قبره، ومنتظر ورود يوم فيه منيّته.

ووعظ أعرابىّ ابنا له أفسد ماله فى الشراب، فقال: لا الدهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، والساعات تعدّ عليك، والأنفاس تعد منك، وأحبّ أمريك إليك، أردّهما للمضرة لديك.

[[من مقامات بديع الزمان الهمذانى]]

ومن إنشاء بديع الزمان فى المقامات: حدّثنا عيسى بن هشام قال: كنت فى الأهواز فى رفقة متى ما ترقّ العين فيهم تسهل، ليس منّا إلا أمرد بكر الآمال، بضّ الجمال، أو مختطّ حسن الإقبال، مرجوّ الأيام والليال؛ فأفضنا فى العشرة كيف [نضع قواعدها، والأخوّة كيف] نحكم معاقدها، والسرور فى أى وقت نتعاطاه، والأنس كيف نتهاداه، وفائت الحظّ كيف نتلافاه، والشراب [من أين نخلصه، والمجلس كيف نرتبه؟ فقال أحدنا: على البيت والمنزل، وقال آخر:

على الشراب والنقل] ، وقال بعضنا: إلى السماع والجماع، وقمنا نجر أذيال الفسوق، حتى انسلخنا من السوق، واستقبلنا رجل فى طمرين، فى يمناه عكّازة، وعلى كتفه جنازة «١» ؛ فتطيّرنا لما رأينا الجنازة، وأعرضنا عنها صفحا، وطوينا دونها كشحا، فصاح بناصيحة كادت الأرض لها تنفطر، والنجوم تنكدر، وقال:

لترونّها صغرا، ولتركبنّها قسرا. مالكم تكرهون مطيّة ركبها أسلافكم، وسيركبها أخلافكم، وتتقّذرون سريرا وطئه آباؤكم، وسيطؤه أبناؤكم؟ أما والله لتحملنّ على

<<  <  ج: ص:  >  >>