للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى هذا الباب؛ فبينهم فى الغربة أعوان كما انفرج المشط، وفى العطلة إخوان كما انتظم السّمط، حتى إذا لحظهم الجدّ لحظة حمقاء بمنشور عمالة، أوصك جعالة؛ عاد عامر مودتهم خرابا، وانقلب شراب عهدهم سرابا، فما اتّسعت دورهم إلا ضاقت صدورهم، ولا علت قدورهم إلا خبت بدورهم، ولا علت أمورهم إلا أسبلت ستورهم، ولا أوقدت نارهم إلا انطفأ نورهم. ولا هملجت عتاقهم إلا فظعت أخلاقهم، ولا صلحت أحوالهم، إلا فسدت أفعالهم، ولاكثر مالهم، إلا قلّ جمالهم، وعزّ معروفهم، وورمت أنوفهم «١» ، حتى إنهم ليصيرون على الإخوان مع الخطوب خطبا، وعلى الأحرار مع الزمان ألبا. قصارى أحدهم من المجد أن ينصب تحته تخته، وأن يوطىء استه دسته، وحسبه من الشرف دار يصهرج أرضها، ويزخرف بعضها، ويزوّق سقوفها، ويعلّق شفوفها «٢» ، وناهيه من الشرف أن تغدو الحاشية أمامه، وتحمل الغاشية قدّامه، وكفاه من الكرم ألفاظ فقاعية «٣» ، وثياب قداعية، يلبسها ملوما، ويحشوها لوما، وهذه صفة أفاضلهم. ومنهم من يمنحك الودّ أيام خشكاره حتى إذا أخصب جعل ميزانه وكيله، وأسنانه أكيله، وأنيسه كيسه، وأليفه رغيفه، وأمينه يمينه، ودنانيره سميره، وصندوقه صديقه، ومفتاحه ضجيعه، وخاتمه خادمه، وجمع الدرّة إلى الدرّة، ووضع البدرة على البدرة، فلم تقع القطرة من طرفه، ولا الدرة من كفّه؛ ولا يخرج ماله عن عهدة خاتمه، إلى يوم مأتمه، وهو يجمع لحادث حياته، أو وارث وفاته؛ يسلك فى الغدر كلّ طريق، ويبيع بالدرهم ألف صديق؛ وقد كان الظنّ بصديقنا أبى سعيد- أيده الله تعالى- أنه إذا أخصب آوانا كنفا من ظلّه، وحبانا من فضله، فمن لنا الآن بعدله؟ إنه- أطال الله بقاءه- حين طارت إلى أذنه عقاب المخاطبة بالوزير، وجلس من الديوان فى صدر الإيوان

<<  <  ج: ص:  >  >>