للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الأصمعى: سمعت أعرابيا يعظ رجلا وهو يقول: ويحك! إنّ فلانا وإن ضحك إليك، فإنه يضحك منك، ولئن أظهر الشفقة عليك، إنّ عقاربه لتسرى إليك؛ فإن لم تتخذه عدوّا فى علانيتك، فلا تجعله صديقا فى سريرتك.

سمع أعرابىّ رجلا يقع فى السلطان، فقال: إنك غفل لم تسمك التجارب، وفى النصح لسع العقارب، كأنى بالضاحك إليك، وهو باك عليك.

وحذّر بعض الحكماء صديقا له صحبه رجل، فقال: احذر فلانا فإنه كثير المسألة، حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخره، ويعتبر ما أخّرت بما قدّمت، فلا تظهرنّ له المخافة فيرى أن قد تحرّزت؛ واعلم أنّ من يقظة الفطنة إظهار الغفله مع شدة الحذر، فباثثه مباثّة الآمن، وتحفّظ منه تحفظ الخائف؛ فإنّ البحث يظهر الخفىّ الباطن، ويبدى المستكنّ الكامن.

أتى أعرابىّ رجلا لم يكن بينه وبينه حرمة فى حاجة له، فقال: إنى امتطيت إليك الرجاء، وسريت على الأمل، ورافقت الشكر، وتوسّلت بحسن الظن، فحقق الأمل، وأحسن المثوبة، وأكرم الصّفد «١» ، وأقم الأود «٢» ، وعجّل السّراح «٣» .

قال الأصمعى: وسمعت أعرابيا يقول: إذا ثبتت الأصول فى القلوب، نطقت الألسنة لفروع! والله يعلم أنّ قلبى لك شاكر، ولسانى ذاكر، ومحال أن يظهر الودّ المستقيم، من الفؤاد السقيم.

ومدح أعرابى رجلا، فقال: إنه ليغسل من العار وجوها مسودّة، ويفتح من الرأى أبوابا منسدّة.

وقال أعرابى:

كم قد ولدتم من رئيس قسور ... دامى الأظافر فى الخميس الممطر

سدكت أنامله بقائم مرهف ... [وبنشر فائدة وجذوة منبر

<<  <  ج: ص:  >  >>