للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلجامه، وقاده بزمامه، علاه غبار وقائع الدهر. وزن هذا لابن المعتز

هذا غبار وقائع الدهر

بينا هو راقد فى ليل الشباب، أيقظه صبح المشيب. طوى مراحل الشباب، وأنفق عمره بغير حساب. جاوز من الشباب مراحل، وورد من الشّيب مناهل. فلّ الدهر شبا شبابه، ومحا محاسن روائه. قضى باكورة الشباب، وأنفق نضارة الزمان. أخلق بردة الصّبا، ونهاه النهى عن الهوى. طار غراب شبابه. انتهى شبابه، وشاب أترابه. استبدل بالأدهم الأبلق، وبالغراب العقعق «١» .

انتهى إلى أشدّ الكهل، واستعاض من حلك الغراب بقادمة النّسر. افترّ عن ناب القارح، وقرع ناجذ الحلم، وارتاض بلجام الدّهر، وأدرك عصر الحنكة وأوان المسكة. جمع قوّة الشباب إلى وقار المشيب. أسفر صبح المشيب، وعلته أبهة الكبر. خرج عن حدّ الحداثة، وارتفع عن غرّة الغرارة. نفض حبرة الصبا، وولّى داعية الحجا. لما قام له الشيب مقام النصيح، عدل عن علائق الحداثة بتوبة نصوح. الشيب حلية العقل وشيمة الوقار. الشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضّة سبكتها التجارب. سرى فى طريق الرّشد بمصباح الشّيب. عصى شياطين الشباب، وأطاع ملائكة الشّيب. الشيخ يقول عن عيان، والشاب عن سماع.

فى الشيب استحكام الوقار وتناهى الجلال، وميسم التجربة، وشاهد الحنكة الشيب مقدّمة الموت والهرم، والمؤذن بالخرف، والقائد للموت. الشيب رسول المنية. الشيب عنوان الفساد. والموت ساحل، والشيب سفينة تقرب من الساحل. صفا فلان على طول العمر، صفاء التّبر على شغب الجمر «٢» . لقد تناهت به الأيام تهذيبا وتحليما، وتناهت به السّنّ تجريبا وتحنيكا. قد وعظه الشّيب

<<  <  ج: ص:  >  >>