للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال حارثة بن بدر الغدانى يرثى زيادا:

صلّى الإله على قبر وطهّره ... عند الثويّة يسفى فوقه المور «١»

تهدى إليه قريش نعش سيّدها ... فثمّ حلّ الندى والعزّ والخير «٢»

أبا المغيرة والدنيا مفجّعة ... وإنّ من غرّت الدنيا لمغرور

قد كان عندك للمعروف عارفة ... وكان عندك للنّكراء تنكير

وكنت تغشى فتعطى المال من سعة ... فالآن بابك أمسى وهو مهجور

ولا تلين إذا عوشرت معتسرا ... وكان أمرك ما يوسرت ميسور

لم يعرف الناس مذغيّبت فتيتهم ... ولم يجلّ ظلاما عنهم نور «٣»

فالناس بعدك قد خفّت حلومهم ... كأنما نفّخت فيها الأعاصير

أخذ هذا البيت من قول مهلهل بن ربيعة فى أخيه كليب، وكان إذا انتدى «٤» لم تحلّ حبوته، ولم ينطق أحد إلا مجيبا له، إجلالا ومهابة:

أنبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس

وتحدثوا فى أمر كلّ عظيمة ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينبسوا

وكان حارثة ذا بيان وجهارة [وأدب] ، وكان شاعرا عالما بالأخبار [والأنساب] ، وكان قد غلب على زياد، وكان حارثة منهوما فى الشراب، فعوتب زياد فى الاستئثار به، فقال: كيف أطّرح رجلا يسايرنى مذ دخلت العراق، ولم يصكك ركابه ركابى، ولا تقدّمنى فنظرت إلى قفاه، ولا تأخر عنى فلويت عنقى إليه، ولا أخذ علىّ الشمس فى شتاء قط، ولا الرّوح فى صيف، ولا سألته عن باب فى العلم إلا قدّرت أنه لا يحسن غيره.

وقال له زياد: من أخطب؟ أنا أم أنت؟ فقال: الأمير أخطب إذا توعّد

<<  <  ج: ص:  >  >>