للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظرا دقيقا، وقال: هذا رجل مشحوذ المدية، فى أبواب الكدية «١» ، قد جعل استعارة الأعلاق طريق افتراسها، وسبب احتباسها، وقد منّى ضرسه، وحدّث بالمحال نفسه، ولا لطيفة فى هذا الباب، أحسن من التغافل عن الجواب، فضلا عن الإيجاب، وكلا فما فى أبواب الردّ أقبح مما قرع، ولا فى شرائع البخل أوحش مما شرع؛ ثم العذر له من جهتى مبسوط إن بسطه الفضل، ومقبول إن قبله المجد، وإنما كاتبته لأعيد الحال القديمة، وأشرط له على نفسى أن أريحه من سوم الحاجات من بعد، فمن لم يستحى من «أعطنى» ، لم يستحى له من «أعفنى» ؛ وعلى حسب جوابه أجرى المودة فيما بعد، فإن رأى أن يجيب فعل إن شاء الله.

وله إلى سهل بن محمد بن سليمان:

أنا إذا طويت عن خدمة مولاى- أطال الله بقاءه- يوما لم أرفع له بصرى، ولم أعدّه من عمرى، وكأنى بالشيخ- أعزه الله- إذا أغفلت مفروض خدمته، من قصد حضرته، والمثول فى حاشيته، وجملة غاشيته، يقول: إن هذا الجائع لمّا شبع تضلّع، واكتسى وتلفّع، وتجلّل، وتبرقع، تربّع وترفّع، فما يطوف بهذا الجناب، ولا يظهر بهذا الباب؛ وأنا الرجل الذى آواه من قفر، وأغناه من فقر، وآمنه من خوف، إذ لا حرّ بوادى عوف؛ حتى إذا وردت عليه رقعتى هذه، وأعارها طرف كرمه، وظرف شيمه، ونظر فى عنوانها اسمى قال: بعدا وسحقا، [وسبّا وتبّا] وحتّا ونحتا، وطعنا ولعنا، فما أكذب سراب أخلاقه، وأكثر أسراب نفاقه، فالآن انحلّ من عقدته، وانتبه من رقدته وكاتبنى يستعيدنى، كلّالا أزوّجه الرّضا ولا قلامة، ولا أمنحه المنى ولا كرامة، بل أدعه يركب راسه، ويقاسى أنفاسه، فستأتينى به الليالى، والكيس الخالى، ثم أريه ميزان قدره، وأذيقه وبال أمره، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>