للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧- خطبته يوم فتح مكة:

وقف على باب الكعبة ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة١ أو دم أو مال يدعى، فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت٢، وساقية الحاج، ألا وقتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا، فيهما الدية مغلظة، منها أربعون خلف٣ في بطونها أولادها، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها٤ بالآباء، الناس من آدم، وآدم خلق من تراب، ثم تلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ... الآية [الحجرات] "يا معشر قريش "أو يأهل مكة" ما ترون أني فاعل بكم؟ " قالوا. خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

"تاريخ الطبري ٣: ١٢، وإعجاز القرآن ص ١١٢، والكامل لابن الأثير ٢: ١٢١ وسيرة ابن هشام ٢: ٢٧٣".

في هذه الخطبة يؤكد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إسقاط الإسلام لقيم الجاهلية التي تتنافى مع المبدأ الأساسي فيه، وهو مبدأ الأخوة، فقد حرم الله التفاخر بالمآثر والتعظم بالآباء والأخذ بالثأر، وأحل محل ذلك كله أخوة طيبة ومساواة كاملة بين الناس، فالناس جميعا من آدم متساوون في الخلق مرتبطون بالأخوة، ولم يكن يخفى على كفار قريش خلق محمد الأمين وروح الأخوة النقية التي تحلى بها، وبالرغم من كل ما فعلوه من قبل لم يتوقعوا منه نعمة أو عقابا وقد مكنه الله منهم، وإن كانوا هم الذي رفضوا أخوته، ولم يستجيبوا لهذه الروح، فأذوه، وأخرجوه من داره، وأهدروا دمه، ولكن شيئا من هذه النقمة لم يقع، فقد ضرب الرسول الكريم مثلا رائعا عبرت عنه أروع كلمات العفو عند المقدرة في قوله: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ولم يكن هذا ليكون إلا من أخ كريم وابن أخ كريم كرَّس حياته من أجل سنة ينطبق منها الفعل على القول، وما كان له ليحيد عن ذلك في كل موقف من مواقفه وتحت كل الظروف.


١ المأثرة: المكرمة.
٢ خدمة الكعبة.
٣ الخلفة: الحامل من النياق.
٤ تعظم: تكبر.

<<  <   >  >>