للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّ التَّخْصِيصِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصِحَّ تَنَاوُلُ الْعَامِّ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدِ الْمُخَصِّصُ، وَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ، لَكِنْ مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ عَقْلًا، لَا يَصِحُّ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ لُغَةً وَلَا إِرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ. وَحِينَئِذٍ لَا عُمُومَ فِي اللَّفْظِ ; فَلَا تَخْصِيصَ.

وَمِثَالُهُ أَنَّ ذَاتَ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ لَا يَصِحُّ خَلْقُهَا عَقْلًا ; فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: ١٠١] مُتَنَاوِلًا لَهَا لُغَةً ; فَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ عَامًّا ; فَلَا يَكُونُ الْعَقْلُ مُخَصِّصًا لَهُ. هَذَا تَقْرِيرُ السُّؤَالَيْنِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا بِالْمَنْعِ:

أَمَّا عَنِ الْأَوَّلِ ; فَبِأَنَّ حَقَّ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا، وَالْعَقْلُ إِنَّمَا سَبَقَ أَدِلَّةَ السَّمْعِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا. أَمَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لَهَا ; فَلَا نُسَلِّمُ.

وَتَحْقِيقُ هَذَا، أَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ مَوْجُودٌ دَائِمُ الْوُجُودِ ; فَالْمَوْجُودُ مِنْهُ بَعْدَ وُرُودِ أَدِلَّةِ السَّمْعِ هُوَ اللَّاحِقُ لَهَا بِالتَّخْصِيصِ وَالْبَيَانِ، أَمَّا السَّابِقُ عَلَيْهَا ; فَلَا، وَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْأَمْرِ إِلَى أَنَّهُ مُخَصِّصٌ مِنْ جِهَةِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ وُجُودِهِ عَنْ أَدِلَّةِ السَّمْعِ، لَا مِنْ جِهَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُقَدَّمُ. لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ بِوُجُودِهِ وَبَيَانِهِ، وَالْعَقْلُ إِنَّمَا تَقَدَّمَ أَدِلَّةَ السَّمْعِ بِوُجُودِهِ، وَتَأَخَّرَ بِبَيَانِهِ.

ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُقَدَّمِ وَالْعَقْلِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُقَدَّمَ لَا يُعَدُّ كَلَامًا وَلَا النَّاطِقَ بِهِ مُتَكَلِّمًا، كَمَنْ قَالَ: إِلَّا زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>