للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا أَوْ صِغَارًا ; أَوْ إِلَى شَهْرٍ، كَانَتْ عَشَرَةٌ جِيَادًا وَافِيَةً حَالَّةً.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَابِعٌ ; فَاشْتَرَطَ اتِّصَالُهُ كَسَائِرِ التَّوَابِعِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ انْفِصَالُهُ، لَمَا انْعَقَدَ لِإِمَامٍ بَيْعَةٌ، وَلَا اسْتَقَرَّ لِأَحَدٍ طَلَاقٌ، وَلَا عِتْقٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ، لِجَوَازِ أَنْ يُبَايِعَ الشَّخْصُ، أَوْ يُطَلِّقَ، أَوْ يَعْتِقَ، ثُمَّ بَعْدَ حِينٍ يَسْتَثْنِي بِذِكْرِ شَرْطٍ ; فَيَزُولُ عَنْهُ لُزُومُ الْعَقْدِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ وَزِيرًا لِلْمَنْصُورِ كَانَ يُبْغِضُ أَبَا حَنِيفَةَ ; فَأَرَادَ أَنْ يُغْرِيَ بِهِ الْمَنْصُورَ ; فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَصِحُّ ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ دَوْلَتَكَ، قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ ، قَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لَوْ صَحَّ، لَجَازَ لِكُلِّ مَنْ بَايَعَكَ عَامَ أَوَّلٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْآنَ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ اسْتِثْنَاءً تَنْحَلُّ بِهِ الْبَيْعَةُ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَيْكَ ; فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ لَهُ: الْزَمْ مَقَالَتَكَ.

وَمِنَ الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْكُوفَةَ ; فَرَأَى فِيهَا نَخْلًا كَثِيرًا ; فَقَالَ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا نَخْلٌ أَكْثَرُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَصْرَةَ رَأَى نَخْلًا أَكْثَرَ مِنَ الْكُوفَةِ ; فَقَالَ: إِلَّا الْبَصْرَةَ. وَلَوْ كَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا، لَمَا اتَّخَذَ النَّاسُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ وَأَشْبَاهَهَا مِنَ الْمُضْحِكَاتِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِ النَّاسِ عُرْفًا وَالْفَهْمُ طَبْعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

- قَوْلُهُ: «وَأَنْ لَا يَكُونَ» ، أَيْ: وَيُشْتَرَطُ لِلِاسْتِثْنَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ «مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>