للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هَذَا، فَإِنَّ السَّامِعَ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] ، يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ بِلَا تَأَمُّلٍ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: قِيَاسٌ جَلِيٌّ» ، أَيْ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَاطِعًا، يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ بِلَا تَأَمُّلٍ، أَنْ لَا يَكُونَ قِيَاسًا، بَلْ هُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى إِحْدَى مُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَقُولُوا: قَاطِعٌ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ بِلَا تَأَمُّلٍ، وَكُلُّ قَاطِعٍ يَسْبِقُ بِلَا تَأَمُّلٍ لَا يَكُونُ قِيَاسًا، وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ. أَوْ تَقُولُوا: وَالْقِيَاسُ لَابُدَّ فِيهِ مِنْ تَأَمُّلٍ ; فَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا.

وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ ; إِمَّا أَضْعَفُ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، أَوْ مُسَاوٍ لَهُ.

وَرَجَّحَ الْآمِدِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، بَلْ مُسْتَنَدُهُ إِلَى فَحْوَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ، لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَأْكِيدِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ ; لِأَنَّهُ أَدَلُّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْحُكْمِ فِيهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: فُلَانٌ يَأْسَفُ بِشَمِّ رَائِحَةِ مَطْبَخِهِ، أَبْلَغُ عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: فُلَانٌ لَا يَقْرِي الضَّيْفَ. وَقَوْلَهُمْ: فَرَسُكَ لَا يَلْحَقُ غُبَارَ فَرَسِي، أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسُكَ لَا يَسْبِقُ، أَوْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>