للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَرْبَعَمِائَةِ فَقِيهٍ.

قُلْتُ: يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاتِّفَاقُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ عَلَى الْخَطَأِ يَمْتَنِعُ عَادَةً، وَبِهِ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ أَظُنُّهُمْ أَصْحَابَ الرَّأْيِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ حُجَّةٌ، وَمَالِكٌ لَا يَقُولُ بِهِ.

وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَجْهَانِ آخَرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا اتِّفَاقُهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ مُسْتَنَدُهُ الْعِصْمَةُ السَّمْعِيَّةُ، وَلَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالْخَطَأُ خَبَثٌ، فَوَجَبَ نَفْيُهُ عَنْ أَهْلِهَا.

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَبَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَصَابَتْهُ فِيهَا حُمَّى، فَسَأَلَهُ إِقَالَةَ الْبَيْعَةِ لِيَخْرُجَ إِلَى الْبَادِيَةِ، فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَتَضَيَّعُ طِيبُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>