للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَابِطٌ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ صَالِحًا لِلْإِفْضَاءِ إِلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ عَقْلًا.

قَالَ الْآمِدِيُّ: وَقَدْ فَسَّرَ أَبُو زَيْدٍ الْمُنَاسِبَ بِمَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ امْتِنَاعَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْعِلَّةِ بِهِ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ دُونَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ: هَذَا لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِي بِالْقَبُولِ، وَتَلَقِّي غَيْرِي لَهُ بِالْقَبُولِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَيَّ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّا إِذَا نَظَرْنَا فِي أَدْنَى مَرَاتِبِ الْمُنَاسِبِ، وَجَدْنَا الْعُقُولَ تُبَادِرُ إِلَى تَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ: هَذَا لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِي بِالْقَبُولِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ; إِمَّا أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ فِي نَفْسِهِ، فَالْخَصْمُ مَعْذُورٌ فِي إِنْكَارِهِ، وَإِمَّا عِنَادٌ مِنَ الْخَصْمِ الْمُنْكِرِ; وَحِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ مُنَاسَبَتِهِ بِبَيَانِ مُنَاسَبَةِ أَمْثَالِهِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، خُصُوصًا إِنْ كَانَ الْخَصْمُ يُسَلِّمُ مُنَاسَبَةَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي رُتْبَتِهِ، فَتَثْبُتُ مُنَاسَبَتُهُ، إِذْ حُكْمُ الْمِثْلَيْنِ وَاحِدٌ، أَوْ مُنَاسَبَةُ مَا هُوَ دُونَهُ، فَتَثْبُتُ مُنَاسَبَتُهُ هُوَ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى.

مِثَالُهُ: لَوِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِرْثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَنَّ تَوْرِيثَهَا مُنَاقَضَةٌ لِلْمَيِّتِ فِي قَصْدِهِ حِرْمَانَهَا، وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِتَلَقِّي الْعَقْلِ لَهُ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ: لَيْسَ هَذَا مُنَاسِبًا، وَعَقْلِي لَا يَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: قَدْ سَلَّمْتُ مُنَاسَبَةَ مِثْلَ هَذَا الْوَصْفِ فِي حِرْمَانِ الْقَاتِلِ إِرْثَهُ مِنْ مَوْرُوثِهِ مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، فَإِنْ سَلَّمْتَ الْمُنَاسَبَةَ هُنَا، لَزِمَكَ تَسْلِيمُهَا هُنَاكَ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَإِنْ مَنَعْتَ الْمُنَاسَبَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ; فَقَدْ سَلَّمَ الْعُقَلَاءُ مُنَاسَبَةَ أَوْصَافٍ هِيَ مِثْلُ هَذَا الْوَصْفِ وَدُونَهُ فِي قَبُولِ الْعَقْلِ لَهُ، وَمِنَ الْمُمْتَنَعِ عَادَةً إِصَابَتُكَ وَخَطَؤُهُمْ، فَأَنْتَ إِذَنْ مُعَانِدٌ مُسَفْسِطٌ تَحْرُمُ الْمُنَاظَرَةُ مَعَكَ، فَهَذَا أَيْضًا طَرِيقٌ جَيِّدٌ مُنَاسِبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>