للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثَالُ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ فِي النَّفْيِ الطَّارِئِ - أَنْ يَقُولَ: مِنْ خَوَاصِّ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنَ الدَّيْنِ أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ بَعْدَ أَدَائِهِ، وَلَا يَرْتَفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ، وَلَا يُحْبَسَ بِهِ، وَلَا يُحَالَ بِهِ عَلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذِهِ الْخَوَاصِّ مَوْجُودَةٌ، فَدَلَّ عَلَى وُجُودِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، كَمَا نَقُولُ: مِنْ خَوَاصِّ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ جَوَازُ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ. وَقَدِ انْتَفَتْ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَاصِبِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا، وَثَبَتَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهَا.

وَمِثَالُ الثَّانِي - وَهُوَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ الطَّارِئِ - أَنْ يُقَالَ: عِلَّةُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ هُوَ أَدَاؤُهُ، وَالْعِبَادَاتُ هِيَ دَيْنٌ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَلْيَكُنْ أَدَاؤُهَا عِلَّةَ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْحَوَالَةَ بِالدَّيْنِ عَلَى مَلِيءٍ عِلَّةٌ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ مِنْهُ، فَلْتَكُنِ الْإِحَالَةُ بِدَيْنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عِلَّةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ مِنْهَا حَتَّى تَجُوزَ اسْتِنَابَةُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ الْوَاجِبَةِ عَنْهُ، كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْفَرْضِ وَنَحْوِهِ; لَكَانَ هَذَا قِيَاسًا صَحِيحًا فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ، وَفُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَصَوْمِ النَّذْرِ عَنِ الْأَمْوَاتِ، وَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَنَحْوِهِ مِنَ الْقُرَبِ. وَإِنْ أَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>