للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جَلْبِ مَصَالِحَ، وَدَرْءِ مَفَاسِدَ، وَالْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ تَخْتَلِفُ وَتَتَفَاوَتُ كَثِيرًا بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَشْخَاصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا.

وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ بِأَنْفُسِهَا، وَمَا لَا يَتَمَيَّزُ لَا يَنْضَبِطُ، لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مِنْ لَوَازِمِ الِانْضِبَاطِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَإِنَّمَا تَتَمَيَّزُ وَتَتَنَوَّعُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَوْصَافِ الضَّابِطَةِ لَهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ.

مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُنَا: مَشَقَّةُ السَّفَرِ، وَمَشَقَّةُ الْمَرَضِ، وَمَشَقَّةُ الْحَمْلِ، وَجِنَايَةُ السَّرِقَةِ، وَجِنَايَةُ الْغَصْبِ، وَجِنَايَةُ الْقَتْلِ. وَالْقَطْعُ، فَأَنْوَاعُ الْمَشَقَّةِ وَالْجِنَايَةِ إِنَّمَا تَمَيَّزَتْ بِتَمَيُّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْهَا، أَمَّا هِيَ لِذَاتِهَا؛ فَلَا تَمَيُّزَ فِيهَا لِنَوْعٍ مِنْ نَوْعٍ.

إِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ فِي نَفْسِهَا، لَمْ يَجُزْ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِهَا لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لُحُوقُ الْمَشَقَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِرَبْطِ مَصَالِحِهِمْ بِأُمُورٍ خَفِيَّةٍ غَيْرِ مَضْبُوطَةٍ، فَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِمُ الْأَحْكَامُ، وَتَضْطَرِبُ الْأَحْوَالُ.

الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ قَانُونًا كُلِّيًّا مُؤَبَّدًا، فَلَوْ عُلِّقَ بِالْحِكَمِ، لَكَثُرَ اخْتِلَافُهُ وَاضْطِرَابُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شَأْنَ الْقَوَانِينِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ بِنَفْسِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى تَقْدِيرِ الشَّارِعِ وَضَبْطِهِ، فَلِأَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ بِنَفْسِهِ يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ، وَمَا وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ، وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاءِ: ٥٩] .

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَمْ يَقَعْ بِالْحِكْمَةِ لِخَفَائِهَا وَاضْطِرَابِهَا، بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>