للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ نَفْسِهِ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ: «مَمْسُوحٌ فَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ كَالْخُفِّ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ» : هَذَا يَنْقَلِبُ عَلَيْكَ بِأَنْ يُقَالَ: «مَمْسُوحٌ فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ كَالْخُفِّ» ، فَإِنَّ أَحْمَدَ وَمَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُوجِبَانِ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ. وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْحَنَفِيُّ فِي قِيَاسِهِ، فَتَعَرَّضَ الْخَصْمُ لِذَلِكَ بِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالرُّبُعِ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ إِجْزَاءُ مَا يُسَمَّى مَسْحًا وَلَوْ عَلَى شَعْرَةٍ أَوْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَالِبَ إِذْ قَصَدَ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، فَتَارَةً يُبْطِلُهُ بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ كَمَا قِيلَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَتَارَةً يُبْطِلُهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ، وَذَلِكَ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَعْدُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، وَهُوَ مَا إِذَا قَالَ الْحَنَفِيُّ فِي «بَيْعِ الْغَائِبِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَنْعَقِدُ مَعَ جَهْلِ» الْعِوَضِ، أَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُعَوَّضِ «كَالنِّكَاحِ» ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الزَّوْجِ بِصُورَةِ الزَّوْجَةِ، وَكَوْنِهِ لَمْ يَرَهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، فَيَقُولُ الْخَصْمُ: هَذَا الدَّلِيلُ يَنْقَلِبُ بِأَنْ يُقَالَ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إِذَا رَأَى الزَّوْجَةَ لَمْ تُعْجِبْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ، فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارٌ إِذَا رَأَى الْمَبِيعَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ بِمُقْتَضَى الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَالْخَصْمُ لَمْ يُصَرِّحْ هَهُنَا بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، لَكِنَّهُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>