للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: فَهَذَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْأَفْعَالُ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ بِصِفَةٍ، وَعَلَيْهِ دَلَّ بَحْثُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ حَيْثُ أَلْزَمُوهُمْ قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْقُبْحُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: هُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى صِفَةٍ لِأَجْلِهَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الذَّمَّ، وَالْحُسْنُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَقْصُودُهُمْ بِالصِّفَةِ الْمَفْسَدَةُ.

قُلْتُ: وَظَاهِرُ الْقَوْلَيْنِ الِاخْتِلَافُ، وَرُبَّمَا أَمْكَنَ التَّلَطُّفُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.

هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

الْمَأْخَذُ الثَّالِثُ: النِّزَاعُ فِي مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ، فَعِنْدَهُمْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رِعَايَةُ مَصَالِحِ خَلْقِهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ وُجُوبَ ذَلِكَ مِنْهُ جَزْمًا تَحْقِيقًا لِلْجُودِ وَالْعَدْلِ، ثُمَّ قَالُوا: لَوْلَا مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، لَكَانَ تَخْصِيصُ الْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ بِحُكْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، فَلَمَّا خَصَّ بَعْضَ الْأَفْعَالِ بِالْوُجُوبِ وَبَعْضَهَا بِالتَّحْرِيمِ وَبَعْضَهَا بِالْإِبَاحَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيجَابَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَالتَّحْرِيمَ لِدَفْعِهَا، وَالْإِبَاحَةَ لِخُلُوِّ الْأَفْعَالِ عَنْ مَصْلَحَةٍ وَمُفْسِدَةٍ.

وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا يُدْرِكُ الْعَقْلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ.

فَأَمَّا ثُبُوتُ الْأَحْكَامِ فِي الْأَفْعَالِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا مَحْضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رِعَايَةً لِلْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي رِعَايَتِهَا وُجُوبًا، وَلِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>