للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْكَرَ قَوْمٌ الْمَجَازَ مُطْلَقًا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهُ فِي الْمُفْرَدِ، كَالْأَسَدِ فِي الشُّجَاعِ، وَفِي الْمُرَكَّبِ، نَحْوَ: أَشَابَنِي الزَّمَانُ، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} ، وَأَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ، عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَأَنْكَرَ قَوْمٌ الْمَجَازَ مُطْلَقًا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهُ» .

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجَازِ، فَأَثْبَتَهُ الْجُمْهُورُ مُطْلَقًا، مُفْرَدًا وَمُرَكَّبًا، فِي عُمُومِ اللُّغَةِ، وَخُصُوصِ الْقُرْآنِ.

وَأَنْكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَنْ تَابَعَهُ مُطْلَقًا، وَاحْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا غَيْرُ مُفِيدٍ، فَلَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ، لِأَنَّهُ مُهْمَلٌ، أَوْ مُفِيدٌ لِلْمُرَادِ بِهِ فَإِفَادَتُهُ إِمَّا بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، أَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، لِإِفَادَتِهِ عَيْنَ الْمُرَادِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ قَوْلَنَا: رَأَيْتُ أَسَدًا بِيَدِهِ سَيْفٌ يَضْرِبُ بِهِ، يُفِيدُ الرَّجُلَ الشُّجَاعَ قَطْعًا، كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا: رَأَيْتُ أَسَدًا، يُفِيدُ السَّبُعَ الْخَاصَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَضْعًا.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ النِّزَاعَ بِمُوجَبِ مَا ذَكَرْتُمْ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تُسَمُّونَ اللَّفْظَ الْمُفِيدَ مُطْلَقًا حَقِيقَةً، سَوَاءٌ أَفَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ قَرِينَةٍ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنْ أَفَادَ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ تَوَقَّفَتْ إِفَادَتُهُ عَلَى قَرِينَةٍ فَهُوَ مَجَازٌ، وَالْخَطْبُ فِي النِّزَاعِ اللَّفْظِيِّ يَسِيرٌ، وَتَسْمِيَتُنَا أَوْلَى، إِعْطَاءٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسَمًّى وَمَدْلُولًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي لَهُمْ: أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَجَازِ مَعَ افْتِقَارِهِ إِلَى الْقَرِينَةِ، وَإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ، مُخَالِفٌ حُكْمَ أَهْلِ الْوَضْعِ، لِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ خَالٍ عَنْ فَائِدَةٍ، كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْحِمَارِ فِي الْبَلِيدِ، مَعَ إِمْكَانِ أَنْ يَقُولَ: هُوَ بَلِيدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>