للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالظَّاهِرُ: حَقِيقَةً، هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُتَبَادِرُ، وَاسْتِعْمَالًا، اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، هُوَ فِي أَحَدِهَا أَظْهَرُ، أَوْ مَا بَادَرَ مِنْهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ مَعْنًى مَعَ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إِلَّا بِتَأْوِيلٍ، وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِدَلِيلٍ يَصِيرُ بِهِ الْمَرْجُوحُ رَاجِحًا.

ــ

قَوْلُهُ: «وَالظَّاهِرُ حَقِيقَةً» أَيْ: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، هُوَ الشَّاخِصُ الْمُرْتَفِعُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِأَشْرَافِ الْأَرْضِ: ظَوَاهِرُ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُ الْبَاطِنِ، وَلِذَلِكَ قَابَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الْحَدِيدِ: ٣] ، وَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَفِعَ مِنَ الْأَشْخَاصِ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي تُبَادِرُ إِلَيْهِ الْأَبْصَارُ، فَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرُ مِنَ اللَّفْظِ، هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي تُبَادِرُ إِلَيْهِ الْبَصَائِرُ وَالْأَفْهَامُ.

أَمَّا إِطْلَاقُ الظَّاهِرِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ أُمُورًا، هُوَ فِي أَحَدِهَا أَرْجَحُ، فَهَذَا اصْطِلَاحٌ لَا حَقِيقَةٌ.

قَوْلُهُ: «وَاسْتِعْمَالًا» ، أَيْ: وَالظَّاهِرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ «اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ هُوَ فِي أَحَدِهَا أَظْهَرُ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: هُوَ فِي أَحَدِهَا أَرْجَحُ دَلَالَةٍ، لِئَلَّا يَصِيرَ تَعْرِيفًا لِلظَّاهِرِ بِنَفْسِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ، بِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ.

فَقَوْلُنَا: هُوَ اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: احْتِرَازٌ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ النَّصُّ كَمَا سَبَقَ.

وَقَوْلُنَا: فَأَكْثَرَ. لِأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ وَمَعَانِيَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: هُوَ فِي أَحَدِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>