للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوَّلُ: التَّوَاتُرُ لُغَةً: التَّتَابُعُ، وَاصْطِلَاحًا: إِخْبَارُ قَوْمٍ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لِكَثْرَتِهِمْ، بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ.

وَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْأُولَى: التَّوَاتُرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَخَالَفَ السُّمَنِيَّةُ، إِذْ حَصَرُوا مَدَارِكَ الْعِلْمِ فِي الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ. لَنَا: الْقَطْعُ بِوُجُودِ الْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ، وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، لَا حِسًّا، وَلَا عَقْلًا، بَلْ تَوَاتُرًا. وَأَيْضًا الْمُدْرَكَاتُ الْعَقْلِيَّةُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَصْرُكُمُ الْمَذْكُورَ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَكُمْ، وَلَيْسَ حِسِيًّا، بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ ; فَلَا يُسْمَعُ. قَالُوا: لَوْ أَفَادَ الْعِلْمَ لَمَا خَالَفْنَاكُمْ. قُلْنَا: عِنَادٌ وَاضْطِرَابٌ فِي الْعَقْلِ وَالطَّبْعِ، ثُمَّ يَلْزَمُكُمْ تَرْكُ الْمَحْسُوسَاتِ لِمُخَالَفَةِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَالْأَوَّلُ» ، أَيِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، «التَّوَاتُرُ لُغَةً» : أَيْ: فِي اللُّغَةِ «التَّتَابُعُ» .

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوَاتَرَةُ: الْمُتَابَعَةُ، وَلَا تَكُونُ الْمُوَاتَرَةُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهَا فَتْرَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ مُدَارَكَةٌ وَمُوَاصَلَةٌ، وَمُوَاتَرَةُ الصَّوْمِ: أَنْ يَصُومَ يَوْمًا، وَيُفْطِرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمُوَاصَلَةُ ; لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْوِتْرِ، وَكَذَلِكَ: وَاتَرْتُ الْكُتُبَ ; فَتَوَاتَرَتْ، أَيْ: جَاءَتْ بَعْضُهَا فِي أَثَرِ بَعْضٍ، وِتْرًا وِتْرًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْقَطِعَ.

قُلْتُ: هَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ التَّوَاتُرَ: التَّتَابُعُ الْمُتَدَارَكُ بِغَيْرِ فَصْلٍ ; فَأَمَّا فَهْمُ الْفَصْلِ بَيْنَ الرُّسُلِ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٤] ، أَيْ: وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ; فَلَيْسَ مِنَ اللَّفْظِ، بَلْ مِمَّا ثَبَتَ مِنَ الْفَتَرَاتِ بَيْنَهُمْ، وَالَّذِي أَجِدُهُ يُبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنَ التَّوَاتُرِ، أَنَّهُ التَّتَابُعُ الْمُتَدَارَكُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>